الريال ملك يبحث عن عرش
الريال ملك يبحث عن عرش
ما من أحد يساوره الشك, أو يختلف على فكرة أن أشهر نادي كرة قدم في العالم على الإطلاق, يعاني من أزمة واضحة المعالم, سواء من النتائج أو من خلال أصداء العلاقة المتوترة بين المدير الفني الإيطالي فابيو كابيلو وبعض اللاعبين ذوي الثقل العالمي في عالم المستديرة, ومهما تكن الظروف, فإن الريال في مأزق, فهو يتخبُط في دوامة لا أفق لها وهذا أمر صعب على منافسيه وعلى عشاق هذه الرياضة الشعبية, فمن مسلمات كرة القدم العالمية, أن نرى دائما النادي الملكي على صهوة جواده محلقا, يصطاد منافسيه, وليس طريدة تعاني من نهش فرق لم تكن لتتجرأ يوما على الحلم بالتنكيل بالملك الجريح, المُطاح عن عرشه, بانقلاب ذاتي, منذ عام 2003.
أمل الجميع خيرا بـ "نفضة" العام 2006, حيث أتت المعطيات والتغييرات تشير إلى أن الرقم الأصعب آت لا محالة بقوة لاسترجاع شرفه الكروي المهدور خصوصا من غريمه التقليدي برشلونة, الذي سلب الأضواء من نادي العاصمة, محليا وأوروبيا, وإن كانت الألقاب ليست غريبة عن كاتالونيا, لكن السقوط هو أن يحرز الأخير لقب الـ "ليغا" الموسم الماضي بفارق اثنتي عشرة نقطة عن الجريح, الذي مع الأسف ما زال ينزف هذا الموسم, دون أن يداوى جذريا, حيث اتضح بعد مرور سبع عشرة مرحلة أن الجراح والآلام سُكّنت مرحليا, ولم تستأصل, ليبدأ النضب يتسلل إلى آمال عشاق القلعة البيضاء. تحديثات بالجملة
بعد موسم ماضي مخيب أراد النادي الملكي العودة سريعا إلى مكانه الطبيعي, فكانت البداية مع تسليم دفة القيادة إلى الحكيم, الإيطالي فابيو كابيلو, صاحب الإنجازات في الكالتشيو, التي ظفر بلقبها ست مرات, مع ثلاثة أندية, وذاق طعم السابعة لفترة قصيرة, دون أن يهنأ بعدما جرد من اللقب هو وناديه يوفنتوس, القابع في الدرجة الثانية حالياً منافسا بقوة للعودة, لأسباب معلومة لدى الجميع.
ونظرا لنجاح سابق للإيطالي حيث هو الآن, كان موسم 1996-1997 عندما أحرز في حينها الريال لقب الدوري, أتى القرار بالتعاقد مع كابيلو, المعروف بميله إلى الأسلوب الدفاعي وصاحب نظرية النتيجة أهم من الأداء, كما عزز النادي الإسباني "نجومه" قبل بداية الموسم بآخرين لهم باع طويل, مثل المدافعين الإيطالي فابيو كانفارو من يوفنتوس, والبرازيلي مارسيلو من فلوميننسي, مرورا بخط الوسط عبر البرازيلي إميرسون, رفيق كابيلو الدائم, من السيدة العجوز أيضا, والمالي مامادو ديارا من ليون في صفقة أخذت الكثير من الجدل قبل أن تتم, وصولا إلى الهجوم حيث استقدم الهولندي رود فان نستلروي من مانشستر يونايتد, وخوسيه رييس معارا من أرسنال وغيرهم, وانضم الوافدون الجدد إلى الإنكليزي ديفيد بيكهام والبرازيليين رونالدو وروبينيو وروبرتو كارلوس, والإسبان أمثال راؤول غونزاليس وغوتي وراموس ونجوم آخرين. تذبذب في المستوى والنتائج
وأتت البداية مقبولة نوعا ما في أول خمس مراحل, إذ ذاق الريال طعم الصدارة, لمرة واحده, بعد أربع مباريات, في ظل عروض غير مقنعة, إلا إذا ما طبقنا نظرية كابيلو التي تحدثنا عنها سابقاً, بعدها وفي المرحلة السادسة أتت الخسارة الأولى أمام ريال بتيس خارج أرضه, ليسقط إلى المركز الخامس, وعقب ذلك مباراة التفوق على الذات والنقاد حين هزم رجال الإيطالي البرشا في عرض أكثر من رائع, افتقده المحبين ردحا من الزمن, مما بث في نفوسهم وبما لا يثير الريب فكرة أن الريال عاد.
لكن بعد النصر "الكامل" بمرحلة سقط الريال على أرضه أمام سلتا فيغو, ثم عاد من جديد إلى حصد النقاط الثلاث على مدى أربع مراحل متتالية, من الـ10 إلى 13, قبل أن يعود الفريق إلى نفس الدوامة, من الأداء البطيء المفتقر إلى اللماعية, لتشمل النتائج, التي أسفرت عن ثلاث خسارات في آخر أربع مراحل إحداها بإذلال على أرضه بثلاثية نظيفة من ريكرياتيفو.
وإذا ما حللنا المراحل السبع عشرة إحصائيا نرى أن الريال خاض على أرضه ثماني مباريات, فاز بأربع منها وتعادل في اثنتين وسقط بمثلها, مقابل خوضه تسع مباريات بعيدا عن البرنابيو, حسم ست منها من خلال النقاط الثلاث, وسقط في الثلاث الأخريات, بما معناه أن ثمانية وخمسين بالمئة من انتصاراته جاءت وهو ضيف, مما يعكس صورة أفضل "نسبيا" خارج أرضه, وهنا يمكننا الربط على سبيل المثال في التحليل لا الحصر بالعامل النفسي الذي يكون أفضل بعيدا عن ضغط جماهير مدريد, مع الإشارة أن الأرقام قريبة جدا ولا يمكن الاعتماد عليها كعامل جازم.
ومن الناحية التهديفية سجل الريال إحدى عشرة إصابة على أرضه مقابل خمسة عشرة خارجها, ودخلت مرماه ست عشرة إصابة, وهذا يعتبر رقما عاليا, توزع مناصفة بين ملعبه وملاعب مستضيفيه, مما يعني أن مشكلة الريال مزدوجة, إذ أن معدل تسجيل في المباراة الواحدة يبلغ 1,52 بالمئة, بينما تلقت شباكه ما معدله 0.92 بالمئة, أي إن الضعف يكمن في الخطين معا, رغم كوكبة النجوم الموزعة في أرجاء الملعب, مما يطرح علامة استفهام حول الإستراتيجية التكتيكية التي يعتمدها كابيلو, خصوصا أن لديه من الأسلحة الكروية التي تستطيع أن تعطي أكثر من ذلك بكثير. أداء عقيم
والنقطة الظاهرة جليا في الوسط المدريدي أن مركز صناعة الألعاب يعاني ضعفا, لذا نرى أن ما من قيادة حقيقية على الميدان, رغم أن المركز الذي نتكلم عنه يوكل إلى غوتي, النشيط والممتاز, في معظم الأحيان, لكنه ليس قيادي من مستوى زيدان مثلا أو حتى فرانك لامبارد, لذا نرى أن عملية ضبط الإيقاع تفتقد إلى المايسترو الحقيقي.
والأمر الثاني الملاحظ اتسام لعب الريال بالبطء في تناقل الكرات, والعقم في الأداء وغياب الجمال, إضافة إلى افتقاد الروح في معظم المباريات مما يجعلنا نلاحظ أن أموراً خارج المستطيل لا تسير بصورة جيدة, فليس من المعقول أن تكون مجريات الأحداث في الكواليس ممتازة, ونرى ما نراه على أرض الملعب, فمما لا شك فيه أن هناك عدم تناغم ما بين أسلوب كابيلو ولاعبيه, مع الإشارة إلى أن حالة الفريق وفقا للمشاهدات, تخطت التكتيك ووصلت إلى مرحلة من انعدام الثقة والتوازن, جراء الضغوط الكثيرة جماهيريا وإعلاميا وإداريا, بالإضافة إلى أن بعض النجوم بعيدين جداً عن مستواهم, وطبعا نقصد بشكل أساسي بيكهام ورونالدو.
وما يزيد من توجيه اللوم إلى كابيلو أكثر من غيره, رؤيتنا لمعظم لاعبي الريال الذين استقدموا هذا الموسم, إضافة إلى القدماء, مكبلي الحركة في الملعب بسبب أسلوب اللعب المقيد, ذلك أن لكل لاعب دور محدد لا يستطيع أن يخرج منه مما يحد من العطاء وإبراز الإمكانات الفنية, ومثالا على ذلك المالي ديارا, الكل يتذكره كيف كان يملأ الملعب مع ليون, بينما نراه في الريال أسير أداء لا يخلق مساحات, يفتقد إلى الحرية, مع اعترافنا أن مستوى الدوري الفرنسي أقل منه في إسبانيا, لكن لاعباً, على مستوى عال من التقنية واللياقة, من خامة المالي يستطيع أن يعطي على أعلى المستويات الكروية.
وربما أراد كابيلو تطبيق ما يمارسه تكتيكيا في إيطاليا على فريقه الجديد, لكن يتضح لنا حتى الآن فشله من خلال النتائج والأداء , والأرجح أنه سيستمر في تلك الدوامة, إذا واصل النهج نفسه, إلا إذا وازن ما بين طينة لاعبيه ونوعية لعبهم, وطريقة لعب الدوري الإسباني ,المختلفة عن الإيطالي, فالأول يمتاز باللعب الهجومي بشكل أكبر إضافة إلى حرية أكثر في تحركات اللاعبين, أي أقرب إلى الكرة الشاملة, بينما يمتاز الثاني بالأسلوب الدفاعي أو الأسلوب الحذر الذي لا يخلق مساحات كثيرة في الملعب, نظرا للحواجز الدفاعية التي يبنيها بحيث تعمد الخطط على الضغط على حاملي الكرات بدءا من مستوى الثلث الثالث من منتصف الملعب, كما يعتمد كثيرا على القوة والالتحامات العنيفة. فعالية غائبة
ولا نستطيع التحدث عن مكامن الخلل والتقهقر في الريال دون أن نذكر خط هجومه المتكدس بالنجوم, الخالي من الفعالية, وما يؤكد كلامنا أن هداف النادي الإسباني حتى الآن, هو الهولندي رود فان نستلروي برصيد تسع إصابات من 26, أي بنسبة 35 بالمائة يليه مباشرة وبمسافة بعيدة, راؤول بثلاثة أهداف, ثم مجموعة من اللاعبين بهدفين, علما أنهما غالبا ما يلعبا جنبا إلى جنب كأساسيين في غالبية المباريات.
وهذا إن عكس شيئا فهو أنه من السهولة, إلى حد ما, ضبط الماكينة الهجومية البيضاء وشل فعاليتها, خصوصا أن مصدر خطورتها الأساسي معروف ومحدد, في ظل تراجع النجم البرازيلي رونالدو الذي لا يحظى بثقة كابيلو, مما يزعج كثيرا أفضل هداف في تاريخ كؤوس العالم, الذي لم يستطع في مشاركاته القليلة أن يفرض نفسه, وبدا حين لعب, أشبه بظل لتاريخ رونالدو, مرعب الدفاعات, ويبدو أن مشكلة البرازيلي تكمن, إضافة إلى تقهقره البدني وارتفاع وزنه, في نهج كابيلو إلى حد ما, إذ أفقد المدرب مهاجمه كثير من الثقة بنفسه, نتيجة وضعه إياه خارج حساباته الأولية, علما كما ذكرنا أن لاعب الإنتر السابق يتحمل جزء كبير مما آل إليه وضعه, دون إغفال الإصابات التي لحقت به وأبعدته عن الملاعب, علما أن أمام البرازيلي, إذا لم تحدث مفاجآت, فرصة أخيرة للعودة بعد الاستراحة التي شهدت تدريبات مكثفة له بغية رفع مستوى الاستعداد لديه, لكن خوف جماهير ومحبي نجم المنتخب الأصفر, ألا تكون الفرصة الأخيرة موجودة في ظل تكاثر الأحاديث حول عدم رغبة كابيلو في رونالدو.
ولا يقتصر التراجع على رونالدو بل يشمل راؤول أيضا الذي ينال فرصا كثيرة كأساسي في الملعب, لكنه لم يقدم المطلوب منه ولا المعروف عنه, وهو يظهر في الملعب تعبا غير قادر على العطاء, مفتقدا إلى الحيوية والحرفية التي طالما اشتهر بها, وكأنه بحاجة إلى الراحة والابتعاد قليلا عن أجواء المنافسات كي يسترجع قواه, مع الأخذ في عين الاعتبار أن وضع الفريق العام ينعكس على أداء وفعالية المهاجمين.
وطبعا هنالك عناصر أخرى في الخطوط الأمامية تأخذ فرصها بشكل متفاوت أمثال البرازيلي روبينيو, الذي يدخل أرض الملعب مشتعلا يصول ويجول ويلحق بكل كرة محاولاً فعل شيء لكن دون فعالية على المرمى, وطبعا دون أن ننسى رييس, المعار من آرسنال الذي لا يحظى بالدور الكبير. إمكانات العودة موجودة
مهما يكن الأمر, ومدى صوابية لوم كابيللو من عدمها, تبقى حقيقة واحدة, الريال في مشكلة وورطة كبيرة, تحاول الإدارة حلها خصوصا عن طريق الاجتماعات الطارئة والمتعاقبة التي يقوم بها مدير الكرة في النادي الصربي مياتوفيتش الذي كما يظهر يقود الحملة الإدارية للعودة, التي تحتاج إلى أكثر من تدعيم باللاعبين, كما حصل مؤخرا باستقدام الأرجنتينيين فرناندو غاغو وغونزالو هيغوين, إذ أن البعض, غير القليل, يطالب بالتخفيف من سطوة كابيلو, علما أن الدعم من الرئيس كالديرون كبير جدا للصربي الذي يبدو أن مجال تحركه أكبر من الإيطالي, وهذا ما يؤدي إلى تضارب خفي في الآراء خصوصا أن كابيلو ليس من النوع الذي يُقاد. هل ينجح أم يغرق فريق العاصمة أكثر, دون شك إمكانات العودة موجودة, ومرتبطة بشكل أساسي بانطلاق البطولة بعد الاستراحة, فالمتسع صغير, والمطلوب مداواة الألم, وليس تخديره, ووقف النزيف المتفشي في النقاط, وفي الثقة عند الجماهير الإسبانية والعالمية المتعطشة لرؤية, الملك, ملك عن حق, من جديد.
المصدر :
http://aljazeerasport.net/