هكذا تفتح كرة القدم خزائنها لتقدم المال الوفير للأقوياء والمنتصرين
كان ما حققه النادي الأهلي في مشواره في دوري الأبطال الإفريقي, وحصوله علي لقب البطولة في النهاية.. مجرد تجسيد عملي وحقيقي لما تقدمه كرة القدم من عوائد مادية لها قيمتها ووزنها.. الأمر الذي يؤكد من جديد كيف تحولت الرياضة ـ بشكل عام ـ وكرة القدم ـ بشكل خاص جدا ـ إلي نشاط بصورة شبه كاملة وبالأخص في النموذج الأوروبي الذي يقدم المثل الأفضل في هذا الاتجاه.
في الماضي البعيد.. كانت كرة القدم تحديدا محكومة بمباديء الهواية.. وكان كل ما يجنيه الفائز أو المنتصر هو ذلك التتويج المبهج, والاحتفال الجماهيري الصاخب, واقتناص المجد والحصول علي مكان في كتب التاريخ.. وبمرور الوقت راحت الصورة تتبدل في كل مكان.. فقد زاد علي كل هذه المكاسب إضافة أخري لها قدرها الكبير, وهي الأموال.. أو العوائد المادية التي تتمثل في الجوائز المحددة مسبقا لكل بطولة من البطولات, وفي العوائد التي تتحقق من المعاملات التجارية إلي جانب حقوق البث التليفزيوني والرعاة التي تتفاوت قيمة ما تدره بناء علي البطولات والألقاب التي تتحقق وعلي مستويات الأداء التي تقدم.
النادي الأهلي الذي احرز لقب دوري الأبطال قبل أيام ـ كمثال من الواقع ـ يحصل علي مليون دولار تقريبا قيمة الجائزة التي يرصدها الاتحاد الإفريقي لصاحب المركز الأول, وتتفاوت الأرقام فيما بعد لصاحب المركز الثاني وحتي الثامن وتظل تتراجع لتصل إلي مايقرب من200 ألف دولار.
الأهلي عندما حصل علي هذه البطولة عامي1982 و1987 لم يحصل علي شيء.. وكان كل ما عاد عليه هو المجد والتاريخ وتحمله لنفقات سفره في الرحلات الإفريقية, واستضافة من سيلعب معه.. أي أنه ـ علي المستوي المادي ـ كان ينفق علي الفوز بالبطولة.. أما الآن فقد اختلف الأمر.. وفي مواجهة النفقات هناك عائد مادي يغطي ماتم دفعه ويزيد, بل وهناك جوائز إضافية مثل تلك التي تحققت هذه المرة حين أصبحت بطولة إفريقيا مؤهلة لكأس العالم للأندية.. ويحقق التأهل عائدا مباشرا قدره مليون دولار أخري.. والمبلغ قابل للزيادة السريعة المطردة ليصل إلي مايزيد علي الأربعة أضعاف..
ووفق ما أعلنه الاتحاد الدولي الفيفا أخيرا.. فإن صاحب المركز السادس ـ أي الذي خسر مباراة الدور التمهيدي ـ سوف يحصل علي مليون دولار, وهي المليون التي أشرت إليها من قبل, ويحصل صاحب المركز الخامس علي مليون ونصف المليون دولار.. وصاحب هذا المركز خسر أيضا للمباراة الأولي ولكن نتيجته أفضل من الفريق الآخر, ثم يحصل صاحب المركز الرابع علي مليوني دولار, أي أن فوز هذا الفريق في مباراة واحدة ـ هي المباراة الأولي ـ منحه مليون دولار جديدة, لأنه صعد للدور الثاني وخسر, ثم لعب مباراة ترتيب المركزين الثالث والرابع وخسر أيضا. ثم يحصل صاحب المركز الثالث علي مليونين ونصف المليون من الدولارات, ويحصل صاحب المركز الثاني علي3.5 مليون دولار. أما البطل فيحصل علي4.5 مليون دولار..
ولو تخيلنا أن الأهلي هو الذي حقق البطولة سيكون من السهل أن نكتشف ثمن المباراة الواحدة حيث سيصل إلي مايقرب من مليون و150 ألف دولار, باعتبار أنه سيلعب ثلاث مباريات, وأنه قد ضمن مليون دولار بمجرد تأهله.. أي أنه أضاف3.5 مليون دولار بفوزه في3 مباريات!
هذه الأرقام ـ التي تبدو كبيرة بالقياس للأرقام المتداولة في الكرة المصرية ـ هي جزء من فلسفة تحكم فكر كرة القدم العالمية.. فلم يعد هناك الآن شيئ بلا مقابل.. ولا أحد يلعب مجانا.. وليس هناك من يفوز ويحرز لقبا دون أن يحصل علي جوائز مالية, ومقابل مادي محدد سلفا, ومعروف مسبقا.. وربما أن بطولة كأس العالم أشهر وأهم الأحداث الانسانية علي وجه الأرض الآن.. تمثل الآن القيمة الأعلي والأضخم فيما تقدمه من عوائد مادية.. كما أعلن الاتحاد الدولي منذ أشهر وصل إجمالي ما تحصل عليه الفرق المتأهلة للنهائيات في ألمانيا إلي315 مليون دولار بزيادة38% عما كانت عليه في كوريا واليابان عام2002 وتصل جائزة بطل المونديال إلي24.5 مليون دولار, وتتراجع الأرقام تدريجيا لتصل إلي7 ملايين دولار لمجرد التأهل فقط!
وبهذا المعني ـ وكما هو الحال بالنسبة للأندية ـ لم يعد التأهل للمونديال مجرد عمل معنوي تسعد به الشعوب ويعلم الكل به ولكنه ـ وعندما يتحقق ـ يجلب معه الكثير من المال.. رغم أن الجانب المعنوي عند البعض يمثل قيمة لا تقدر بمال.
جوائز البطولات ـ حتي نفهم الفكر كما ينبغي ـ ليست وحدها التي تصنع موارد كرة القدم كنشاط اقتصادي بل هناك العديد من المصادر الأخري التي يتم ضبطها وكأن المؤسسة التي تفعل ذلك تبدو كشركة وليست ناديا.. وأذكر هنا ـ علي سبيل المثال ـ أن ميزانية نادي ريال مدريد الأخيرة جري تحليلها من قبل عدد من كبريات مكاتب المحاسبة في العالم لدراسة مافيها بما يسمح بفهم كيف تفكر الإدارة التي تتولي مسئولية النادي؟ وقد كشفت الأرقام أن الايرادات في هذه الميزانية بلغت334 مليون دولار بزيادة17% عن العام السابق..
والمهم حقا في هذه الأرقام هو تحقيق النادي لـ42% من هذه العوائد من أنشطة تجارية مثل مبيعات السلع.. نعم مبيعات السلع, وكان من بينها بيع الفانلات القطنية التي تحمل صور اللاعبين, وكان التعاقد مع بيكهام ـ وهذا مثال واحد ـ قد عزز بيع هذه الفانلات وتحققت من ورائه أرباح خيالية عوضت الكثير من قيمة صفقة التعاقد مع اللاعب.. وربما أن هذا يكشف لنا: كيف أن القرار الفني بضم لاعب جديد يحمل في طياته رؤية تجارية لأنه من غير المعقول أن يتم دفع أموال دون تحقيق عوائد تفوق ماتم دفعه؟
نادي ريال مدريد لم يكن وحده.. بل هناك دراسة اقتصادية تقول إن ريال مدريد مجرد نموذج يتكرر في غالبية الدول الأوروبية والاختلاف قد يحدث فقط في تفاوت النسب بين جانب وآخر, وأكدت هذه الدراسة أن اعتماد الأندية الأوروبية في عوائدها ـ وهي وحدات اقتصادية بكل معني الكلمة ـ يدور حول25% من يوم المباراة, والأساس فيها بيع تذاكر دخول الملعب إلي جانب25% من حقوق البث التليفزيوني, وتبقي نسبة أخري تخص عددا محدودا من أندية الصفوة ـ مثل الأرسنال ومانشستر يونانيد وريال مدريد وبرشلونة والتي تتمثل في أنشطة ترويجية تقوم بها والأساس فيها رحلات خارجية إلي الشرق الأقصي وأمريكا, ونسبة هذا الجانب في العوائد تدور تقريبا حول رقم10%.
التجربة ولاشك جديرة بالاحترام والتقدير.. وأظن أننا نعيش الآن الكثير من ملامح مقدماتها.. والأكيد أن المسألة تستحق الاجتهاد في وضع ملامح النموذج الذي يحيل الكرة المصرية من مفهوم الرياضة المطلقة إلي آفاق الفكر الاقتصادي الكامل والتعامل معها علي أنها صناعة مثل أي صناعة أخري, ولذلك لابد من وضع تصور كامل لكل جانب من جوانب اللعبة سواء مايخص العناصر الفنية, أو حقوق البث التليفزيوني, أو حضور الجمهور للمباريات, أو السلع التي تحمل صور اللاعبين أو شعار النادي أو تنظيم رحلات خارجية خلال فترة الإعداد تستغل فيها الأندية المصرية شعبيتها الطاغية في المنطقة العربية, تمهيدا للتوسع في مناطق جغرافية أخري يتحقق من ورائها ـ في النهاية ـ عوائد مادية جديدة لم يفكر أحد في صنعها من قبل.