ما الجديد
ستار دي في بي | StarDVB

أهلاً وسهلاً بك من جديد في ستار دي في بي StarDVB. تم في الاونة الاخيرة تطوير وتخصيص الموقع ليشمل IPTV و SMART TV بشكل أوسع من السابق. إذا كنت مسجل سابقا يمكنك الدخول باسم المستخدم السابق نفسه، وإن كنت غير مسجل مسبقاً، يمكنك التسجيل الان. نرحب بمشاركاتك واقتراحاتك في أي وقت، نتمنى لك وقتاً ممتعاً معنا.

أسماء الله الحسنى

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الخَلاَّقُ :

الخلاق صيغة مبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الخالق ، فعله خلق يخلق خلقا والفرق بين الخالق والخلاق أن الخالق هو الذي ينشئ الشيء من العدم بتقدير وعلم ثم بتصنيع وخلق عن قدرة وغنى ، أما الخلاق فهو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا فمن حيث الكم يخلق ما يشاء كما قال : } إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيراً { [النساء:133] ، وقال : } وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ { [الأنعام:133] وأما من حيث الكيف فكما قال تعالى : } وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُون َ{ [النمل:88] ، وقال : } خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ { [التغابن:3] ، وقال : } وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُون َ{ [النحل:8] ، فالخلاق هو الذي يبدع في خلقه كما وكيفا بقدرته المطلقة ، فيعيد ما خلق ويكرره كما كان ، بل يخلق خلقا جديدا أحسن مما كان (17) ، وفي هذا رد على الذين قالوا ليس في الإمكان أبدع مما كان ، لأن ذلك ينافي معنى اسمه الخلاق ، صحيح أن الله أحسن وأتقن كل شيء خلقه كما قال : } الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ { [السجدة:7] لكن الله قدرته مطلقة فهو الخالق الخلاق كما أنه الرازق الرزاق .

قال شيخ الإسلام فيمن قال ليس في الإمكان أبدع من هذا العالم ، لأنه لو كان كذلك ولم يخلقه لكان بخلا يناقض الجود أو عجزا يناقض القدرة : ( لا ريب أن الله سبحانه يقدر على غير هذا العالم وعلى إبداع غيره إلى ما لا يتناهى كثرة ويقدر على غير ما فعله كما بين ذلك في غير موضع من القرآن ، وقد يراد به – قول القائل ليس في الإمكان - أنه ما يمكن أحسن منه ولا أكمل منه فهذا ليس قدحا في القدرة ، بل قد أثبت قدرته على غير ما فعله ، لكن قال ما فعله أحسن وأكمل مما لم يفعله ، وهذا وصف له سبحانه بالكرم والجود والإحسان ، وهو سبحانه الأكرم فلا يتصور أكرم منه سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ) (18) .

ويذكر ابن القيم أن براهين المعاد في القرآن مبينة على ثلاثة أصول :

أحدها : تقرير كمال علم الرب سبحانه كما قال في جواب من قال : } مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ { ، وقال : } وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيم ُ{ [الحجر:86] .

والثاني : تقرير كمال قدرته كقوله : } أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ { .

الثالث : كمال حكمته كما في قوله تعالى : } وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ { [الدخان:38] ، وقوله سبحانه : } أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ { [المؤمنون:115] (19) .

قال ابن كثير : ( وقوله إن ربك هو الخلاق العليم تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض ) (20) .

والقرطبي يجعل الخلاق دالا أيضا تقدير الله للأخلاق وتقسيمها بين العباد وهذا يسعه اللفظ ويحتمله ، يقول القرطبي : ( إن ربك هو الخلاق أي المقدر للخلق والأخلاق ، العليم بأهل الوفاق والنفاق )



الله جل جلاله المَالِكُ :

اسم الله المالك ورد في القرآن على سبيل الإضافة والتقييد مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وإن كانت الإضافة تحمل معنى الإطلاق في الملكية ، لكنه ورد في السنة النبوية مطلقا ، فمن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ( قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ ) [آل عمران:26] .

والملك يطلق في مقابل الملكوت ، فالملك يراد به عالم الشهادة غالبا أو الحياة الدنيا بصفة عامة والملكوت أيضا يراد به في الغالب عالم الغيب أو عالم الآخرة ، والله عز وجل هو مالك الملك والملكوت رب العالمين ، الذي يملك عالم الغيب وعالم الشهادة بما فيهما ، قال تعالى : ( قُل يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الذِي لَهُ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) [الأعراف:158] ، فالمالك هو المنفرد بملكية الملك والملكوت والله عز وجل كما أفرد نفسه بملكيته لعالم الملك أفرد نفسه بملكيته لعالم الغيب أو عالم الملكوت ، فقال تعالى : ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) [الفاتحة:2/4] (1) .

وإذا كان الحق سبحانه مالكا لعالم الغيب والشهادة وما فيهما كما بينت الأدلة السابقة فهو المالك إذا على سبيل الإطلاق أزلا وأبدا ، وعلى الرغم من ذلك فإن أدلة الاسم في القرآن لا تكفي وحدها لحصره أو عده ضمن الأسماء نظرا لعدم الإطلاق الصريح ، والشرط الذي نلتزمه في حصر الأسماء الحسنى أن يفيد الثناء بنفسه من غير إضافة ، وأن يرد نص صريح صحيح في ذلك ، فالذي ورد في القرآن يعد وصفا أكثر من كونه اسما ، لكن الذي يجعله اسما ووصفا هو ما سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عند الإمام مسلم من رواية أَبُي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ أَخْنَع اسْمٍ عِنْدَ اللّهِ رَجُلٌ تَسَمَّىٰ مَلِكَ الأَمْلاَكِ ، لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللّهُ عَزَّ وَجَل ) (2) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم سماه مالكا على سبيل الإطلاق الصريح مرادا به العلمية ودالا على الوصفية .

الله جل جلاله الرَّزَّاقُ :

سمى الله نفسه الرزاق مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه كما ورد في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) [الذاريات:58] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : غَلاَ السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا ؟ فَقَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى رَبِّى وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ ) (3) ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) (4) .

الله جل جلاله الوَكيلُ :

ورد اسم الله الوكيل في قوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [آل عمران:173] ، وهذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد فيه الاسم مطلقا معرفا بالألف واللام ، لكن ورد في مواضع أخرى مقرونا بمعاني العلو ، والعلو كما تقدم يزيد الإطلاق كمالا على كمال كما ورد في قوله تعالى : ( ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) [الأنعام:102] ، وعند البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ : كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قال له الناس : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [آل عمران:173] ، وفي سنن الترمذي وصححه الألباني من حديث أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ متى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) (5) .

الله جل جلاله الرَّقيبُ :

ورد الاسم مطلقا منونا مقرونا بمعاني العلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَكَانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً ) [الأحزاب:52] ، كما ورد مقيدا في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام : ( فَلمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَليْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) [المائدة:117] ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ كَانَ عَليْكُمْ رَقِيباً ) [النساء:1] ، وعند البخاري ومسلم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَال : ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا بِمَوْعِظَةٍ .. إلى أن قال : فَأَقُولُ كَمَا قَال العَبْدُ الصَّالِحُ : ( وَكُنْتُ عَليْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَليْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شيء شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيم ُ) قَال : فَيُقَالُ لِي إِنَّهُمْ لمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ )

الله جل جلاله المَالِكُ :

المالك في اللغة اسم فاعل فعله ملك يملك فهو مالك ، والله عز وجل مالك الأشياء كلها ومصرفها على إرادته لا يمتنع عليه منها شيء ، لأن المالك للشيء في كلام العرب هو المتصرف فيه والقادر عليه ، فإن قال قائل : فقد يغصب الإنسان على الشيء فلا يزول ملكه عنه ، قيل له : لا يزول ملكه عنه حكما وديانة ، فأما في الظاهر والاستعمال فالغاصب له ما هو في يده يصرفه كيف شاء ؛ من استعمال أو هبة أو إهلاك أو إصلاح ، وإن كان في ذلك مخطئا آثما آتيا ما هو محظور عليه بإحالته بينه وبين مالكه ، فإن رجع ذلك الشيء على صاحبه قيل : رجع إلى ملكه أي إلى حاله التي كان فيها حقيقة ، والله عز وجل قادر على الأشياء التي خلقها ويخلقها لا يمتنع عليه منها شيء ، وقد قرأ ابن كثير ونافع وأَبو عمرو وابن عامر وحمزة مَلِك يوم الدين بغير أَلف ، وقرأَ عاصم والكسائي ويعقوب مالك بأَلف ، وقد رويت القراءتان عن النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، والله عز وجل مالك الملك ، ملكه عن أصالة واستحقاك ، لأن علة استحقاق الملك أمران :

الأول : صناعة الشيء وإنشائه وإيجاده واختراعه ، وقد علم عقلا أن المخترع له براءة الاختراع والمؤلف له حق الطبع والنشر ، وعند البخاري أن عُمَر بن الخطاب رضى الله عنه قال : ( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لهُ ، وَيُرْوَى ذلك أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) (2)، وإذا كان ملوك الدنيا لا يمكن لأحدهم أن يؤسس ملكه بجهده أو يصنعه بمفرده فلا بد له من ظهير معين ، سواء من أهله وقرابته أو حزبه وجماعته أو عشيرته وقبيلته ، إذا علم ذلك فإن الله عز وجل هو المتفرد بالملكية حقيقة فلا أحد ساعده في إنشاء الخلق أو عاونه على استقرار الملك أو يمسك السماء معه أن تقع على الأرض قال تعالى : } أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ { [الأعراف:54] ، وقال : } مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلينَ عَضُدا { [الكهف :51] ، وعند البخاري من حديث عَمرانَ رضى الله عنه أن النبيِّ صلى الله عليه و سلم قال : ( كان اللهَ ولم يكن شيء قبلهُ ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلقَ السماواتِ والأرضَ وكتب في الذكر كل شيء ) (3) .

أما العلة الثانية لاستحقاق الملك فهي دوام الحياة ، لأنه يوجب انتقال الملكية وثبوت التملك ، ومعلوم أن كل من على الأرض ميت زائل فان ، كما قال سبحانه وتعالى : } كُلُّ مَنْ عَليْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلال والإكرام { [الرحمن:27] ، وقال أيضا : } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ثُمَّ إِليْنَا تُرْجَعُون { [العنكبوت :57] ، ولما كانت الحياة وصف ذات لله والإحياء وصف فعله ، فإن الملك بالضرورة سيئول إلى خالقه ومالكه كما قال : } لمَنِ المُلكُ اليَوْمَ للهِ الوَاحِدِ القَهَّار { [غافر :16] ، وقال تعالى : } وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير { [آل عمران :180] .

فالملك لله في المبتدأ عند إنشاء الخلق فلم يكن أحد سواه ، والملك لله في المنتهى عند زوال الأرض لأنه لن يبق من الملوك سواه ، وهو الملك من فوق عرشه لا خالق ولا مدبر للكون إلا الله ، فالمَلك هو المتصرف بالأمر والنهي في مملكته وهو القائم بسياسة خلقه ، وملكه هو الحق الدائم له بحق دوام الحياة ، ولما كان الحق سبحانه وتعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، فإنه إلزاما ينفرد بالملك والتقدير ، وينفرد أيضا بأنه المالك المستحق للملك ، قال ابن القيم : ( الفرق بين الملك والمالك أن المالك هو المتصرف بفعله ، والملك هو المتصرف بفعله وأمره ، والرب تعالى مالك الملك فهو المتصرف بفعله وأمره ) (4) ، ولعله يقصد أن مالك الشيء لا يلزم أن يكون ملكا لوجود من يرأسه ويمنع تصرفه في ملكه ، أما الملك الذي له الملكية والملك فله مطلق التدبير والأمر .

الله جل جلاله الرَّزَّاقُ :

الرزاق في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال من اسم الفاعل الرازق ، فعله رزق يرزق رزقا ، والمصدر الرزق وهو ما ينتفع به والجمع أرزاق (5) .

وحقيقة الرزق هو العطاء المتجدد الذي يأخذه صاحبه في كل تقدير يومي أو سنوي أو عمري فينال ما قسم له في التقدير الأزلي ، والرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ المقدر في عطاء الرزق المقسوم والذي يخرجه في السماوات والأرض ، فإخراجه في السماوات يعني أنه مقضي مكتوب ، وإخراجه في الأرض يعني أنه سينفذ لا محالة ولذلك قال الله تعالى في شأن الهدهد الموحد ومخاطبته سليمان عليه السلام : } أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ { [النمل:26] ، فالرزق مكتوب في السماء ، وهو وعد الله فيما تم به القضاء قبل أن يكون واقعا مقدورا في الأرض ، قال تعالى وجود الرزق قضاء في السماء : } وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ { [ الذريات:22] ، وقال عن تنفيذ ما قسمه لكل مخلوق فيما سبق به القضاء : } وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ { [العنكبوت:60] ، وقال : } وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا { [هود:6] ، فالله يتولاها لحظة بلحظة تنفيذا للمقسوم في سابق التقدير .

فالرزاق سبحانه هو الذي يتولى تنفيذ العطاء الذي قدره لأرزاق الخلائق لحظة بلحظ فهو كثير الإنفاق ، وهو المفيض بالأرزاق رزقا بعد رزق ، مبالغة في الإرزاق وما يتعلق بقسمة الأرزاق وترتيب أسبابها في المخلوقات ، ألا ترى أن الذئب قد جعل الله رزقه في أن يصيد الثعلب فيأكله ، والثعلب رزقه أن يصيد القنفذ فيأكله ، والقنفذ رزقه أن يصيد الأفعى فيأكلها ، والأفعى رزقها أن تصيد الطير فتأكله ، والطير رزقه في أن يصيد الجراد فيأكله (6) ، وتتوالى السلسلة في أرزاق متسلسلة رتبها الرزاق في خلقه ، فتبارك الذي أتقن كل شيء في ملكه وجعل رزق الخلائق عليه ، ضمن رزقهم وسيؤديه لهم كما وعد ، وكل ذلك ليركنوا إليه ويعبدوه ويوحدوه ، قال تعالى : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ { [الذاريات:57] (7) .

فالأرزاق مقسومة ولَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وعند مسلم من حديث عَبْدِ اللَّهِ رضى الله عنه أنه قَالَ ( قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) (8) .

وقال تعالى : } وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرا { [الطلاق:3] ، وفي هذا بيان أن الذي قدره من الرزق على العموم والإجمال سيتولاه في الخلق على مدار الوقت والتفصيل فهو سبحانه الرزاق الخلاق القدير المقتدر ، قال ابن القيم :

وكذلك الرزاق من أسمائه والرزق من أفعاله نوعان

رزق على يد عبده ورسوله نوعان أيضا ذان معروفان

رزق القلوب العلم والإيمان والرزق المعد لهذه الأبدان

هذا هو الرزق الحلال وربنا رزاقه والفضل للمنان

والثاني سوق القوت للأعضاء في تلك المجاري سوقه بوزان

هذا يكون من الحلال كما يكون من الحرام كلاهما رزقان

والله رازقه بهذا الاعتبار وليس بالإطلاق دون بيان (9).
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الوَكيلُ :

الوَكِيل في اللغة هو القَيِّم الكَفِيل الذي تكفل بأرْزَاق العِبَاد ، وحَقِيقة الوكيل أنه يَسْتَقل بَأَمْر المَوْكُول إليه ، يقال : تَوَكَّلَ بالأَمْر إذا ضَمِنَ القِيام به ، وَوَكَّلت أمْرِي إلى فلان أي ألْجَأته إليه ، واعْتَمدت فِيه عَلَيه ، وَوَكَّل فُلان فُلاناً إذا اسْتَكفاه أَمْرَه إما ثقةً بِكفايَتِه أو عَجزاً عن القيام بأمر نفسه ، ووكيلك في كذا إذا سلمته الأمر وتركته له وفوضته إليه واكتفيت به (10) ، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته وتعهده ومنه ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من توكل لي ما بين رجليه ، وما بين لحييه ، توكلت له بالجنة ) (11) ، وقد يأتي التوكل بمعنى الاعتماد على الغير والركون إليه ومنه ما ورد في قوله تعالى : } وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ { [الطلاق/3] ، وربما يفسر الوكيل بالكفيل ، والوكيل أعم لأن كل كفيل وكيل وليس كل وكيل كفيلا ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم : ( لو أنكم كنتم توكلون على اللَّه حق توكله ، لرزقتم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا ) (12) .

والوكيل سبحانه هو الذي توكل بالعالمين خلقا وتدبيرا وهداية وتقديرا فهو المتوكل بخلقه إيجاد وإمدادا كما قال تبارك وتعالى : } ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الأنعام:102] ، وقال تعالى : } اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ { [الزمر:62] ، وقال هود عليه السلام : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا { [هود:56] ، فالوكيل الكفيل بأرزاق عباده ومصالحهم (13) .

وهو سبحانه وكيل المؤمنين الذين جعلوا اعتقادهم في حوله وقوته ، وخرجوا من حولهم وطولهم وآمنوا بكمال قدرته ، وأيقنوا أنه لا حول ولا قوة إلا بالله ، فركنوا إليه في جميع أمورهم ، وجعلوا اعتمادهم عليه في سائر حياتهم ، وفوضوا إليه الأمر قبل سعيهم ، واستعانوا به حال كسبهم ، وحمدوه بالشكر بعد توفيقهم ، والرضا بالمقسوم بعد ابتلائهم قال تعالى : } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ { [الأنفال:2] ، وقال سبحانه في وصف المؤمنين : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { [آل عمران:173] ، وقال لنبيه صلى الله عليه و سلم : } وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً { [الأحزاب:48] ، وقال : } رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً { [المزمل:9] (14) .

ويذكر ابن القيم أن توكيل العبد ربه يكون بتفويضه نفسه إليه وعزلها عن التصرف إلا بإذنه يتولي شئون أهله ووليه ، وهذا هو عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهو معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه ينوب عنه في التصرف ، فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه ، وأما توكيل العبد ربه فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته (15) .

الله جل جلاله الرَّقيبُ :

الرقيب في اللغة فعيل بمعنى فاعل وهو الموصوف بالمراقبة ، فعله رقب يرقب رقابة والرقابة تأتي بمعنى الحفظ والحراسة والانتظار مع الحذر والترقب ، وعند البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن أبا بكر رضى الله عنه قال : ( ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ ) (16) ، أي احفظوه فيهم ، وقال هارون عليه السلام : } إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي { [طه:94] ، فالرقيب الموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه ورقيب القوم حارسهم ، وهو الذي يشرف على مرقبة ليحرسهم ، ورقيب الجيش طليعتهم ، والرقيب الأمين ، وارتقب المكان أشرف عليه وعلا فوققه (17) .

والرقيب سبحانه هو المطلع على خلقه ، يعلم كل صغيرة وكبيرة في ملكه ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال تعالى : } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [المجادلة:7] ، وقال : } أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ { [الزخرف:80] ، ومراقبة الله لخلقه مراقبة عن استعلاء وفوقية ، وقدرة وصمدية ، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه ، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه ، ملك له الملك كله ، وله الحمد كله ، أزمة الأمور كلها بيديه ، ومصدرها منه ومردها إليه ، مستو على عرشه لا تخفى عليه خافية ، عالم بما في نفوس عباده مطلع على السر والعلانية ، يسمع ويرى ، ويعطي ويمنع ، ويثيب ويعاقب ، ويكرم ويهين ، ويخلق ويرزق ، ويميت ويحيي ، ويقدر ويقضي ، ويدبر أمور مملكته ، فمراقبته لخلقه مراقبة حفظ دائمة ، وهيمنة كاملة ، وعلم إحاطة (18).

والله عز وجل رقيب راصد لأعمال العباد وكسبهم ، عليم بالخواطر التي تدب في قلوبهم ، يرى كل حركة أو سكنة في أبدانهم ، ووكل ملائكته بكتابة أعمالهم وإحصاء حسناتهم وسيئاتهم ، قال تعالى : } وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ { [الانفطار:10/12] ، فالملائكة تسجيل أفعال الجنان والأبدان ، وقال تعالى عن تسجيلهم لقول القلب وقول اللسان : } وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ { [ق:16/18] ، وهو سبحانه وتعالى من فوقهم رقيب عليهم وعلى تدوينهم ، ورقيب أيضا على أفعال الإنسان ، قال تعالى : } وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ { [يونس:61].



الله جل جلاله المُحْسِنُ :

اسم الله المحسن ورد في السنة النبوية مطلقا منونا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند الطبراني وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا ، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )(1) ، وكذلك ورد من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين قال : ( إن الله محسن يحب الإحسان إلي كل شيء ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (2) ، وقد ورد الحديث عند مسلم من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه لكن فيه ذكر الوصف دون الاسم قَالَ شَدَّاد : ( ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ) (3) .

الله جل جلاله الحَسيبُ :

ورد اسم الله الحسيب في القرآن مطلقا منونا مقرونا بمعاني العلو والفوقية في قوله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ) [النساء:86] ، فالله من فوق عرشه حسيب باسمه ووصفه ، له الكمال المطلق في محاسبته لخلقه وله الكمال في علو شأنه ، فإن أضفت إلى الإطلاق اجتماع معاني العلو كان ذلك من جمال الكمال في الاسم والصفة ، وقد ورد الاسم مقيدا في قول الله تعالى : ( فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ) [النساء:6] .

الله جل جلاله الشَّافِي :

لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه فعند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَي مَرِيضًا أَوْ أُتِي بِهِ قَالَ : ( أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) (4) ، وكذلك ورد الحديث في صحيح مسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ : أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا ) ، وهذه الأحاديث التي ثبتت في معظم كتب السنة ورد فيها الاسم والوصف معا (5) .

الله جل جلاله الرِّفيقُ :

اسم الله الرفيق ورد في السنة النبوية مطلقا معرفا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا علي الوصفية وكمالها ، كما ورد عند البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ : ( اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَي النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ ، فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ ، قُلْتُ : أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا ؟ قَالَ : قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ) (6) ، وعند مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لها : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَي الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَي مَا سِوَاهُ ) (7) .

الله جل جلاله المُعْطي :

لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، فقد ورد معرفا عند البخاري من حديث مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلاَ تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ ) (8) ، وفي رواية أخرى عند البخاري ذكر الوصف بدلا من الاسم : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللَّهُ ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ، أَو حَتَّى يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ ) (9) ، والوصف لا يكفي وحده لإثبات المعطي المانع ، ولذا فإن الثابت اسم الله المعطي للحديث الذي سبق ونص على الاسم

الله جل جلاله المُحْسِنُ :

المحسن في اللغة اسم فاعل فعله أحسن يحسن إحسانا فهو محسن ، والحُسْنُ ضدُّ القُبْح وحَسَّن الشيء تحسِينا زينه ، وأحْسَنَ إليه وبه صنع له وبه معروفا ، وهو يحسن الشيء أي يعلمه بخبره ، واستحسن الشيء رغب فيه وتعلق به واعتبره حَسَنا ، والمَحَاسِنُ ضد المساوئ ، والحُسْنَى البالغة الحسن في كل شيء من جهة الكمال والجمال ، كما قال تعالى : } لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ { [يونس:26] ، فالحُسْنى هي الجنّة والزّيادة النظر إلى وجه اللَّه تعالى يوم القيامة ، فسرها بذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم والصحابة من بعده (1) .

وقوله عزّ وجلّ : } وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى { [لقمان:22] المحسن في الشرع هو الذي بلغ درجة الإحسان ، والإحسان فسره النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر رضى الله عنه قال : ( الإِحْسَان أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) ، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ { [النحل:90] قيل : أَراد بالإِحسان الإِخْلاص ، وهو شرطٌ في صحةِ الإِيمان والإِسلام معا ، وقيل أَراد بالإِحسان الإِشارةَ إلى المُراقبة وحُسْن الطاعة ، فإِن مَنْ راقَب اللَّهَ أَحسَن عمَله ، والمعنى يشمل الاثنين معا (2) .

والمحسن سبحانه هو الذي له كمال الحسن في أسمائه وصفاته وأفعاله ، كما قال تعالى في كتابه : } اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { [طه:8] ، فلا شيء أكمل ولا أجمل من الله ، فكل كمال وجمال في المخلوق من آثار صنعته ، وهو الذي لا يحد كماله ولا يوصف جلاله ، ولا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، ليس في أفعاله عبث ولا في أوامره سفه ، بل أفعاله كلها لا تخرج عن الحكمة والمصلحة والعدل والفضل والرحمة ، إن أعطى فبفضله ورحمته وإن منع أو عاقب فبعدله وحكمته ، وهو الذي أحسن كل شيء خلقه فأتقن صنعه وأبدع كونه وهداه لغايته ، وأحسن إلى خلقه بعموم نعمه وشمول كرمه وسعة رزقه على الرغم من مخالفة أكثرهم لأمره ونهيه ، وأحسن إلي المؤمنين فوعدهم الحسني وعاملهم بفضله ، وأحسن إلى من أساء فأمهله ثم حاسبه بعدله (3).

الله جل جلاله الحَسيبُ :

الحسيب في اللغة من صيغ المبالغة ، فعله حسِب يحسِب حسَابا وحسبانا ، واسم الفاعل الحاسب وهو الموصوف بمحاسبة غيره ، والحساب ضبط العدد وبيان مقادير الأشياء المعدودة ، سواء كان ذلك جزما أم ظنا ، والحسيب هو الكافي الكريم الرفيع الشأن ، والحسب في حقنا هو الشَّرَفُ الثابِتُ في الآباءِ ، والحَسَبُ أيضا هو الفعل الصَّالِحُ ، ويقال : رُبَّ حَسِيبِ الأَصلِ غيرُ حَسِيب ، ِأَي لَه آباءٌ يَفْعَلُونَ الخَيْرَ ولا يَفْعَلُه هو (4) .

والحسيب سبحانه هو الكافي الذي يخلق ما يكفي العباد من أرزاقهم ، قال أبو حامد الغزالي : ( الحسيب هو الكافي وهو الذي من كان له كان حسبه والله سبحانه وتعالى حسيب كل أحد وكافيه وهذا وصف لا تتصور حقيقته لغيره فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفي لوجوده ولدوام وجوده ولكمال وجوده وليس في الوجود شيء هو وحده كاف لشيء إلا الله عز وجل فإنه وحده كاف لكل شيء لا لبعض الأشياء أي هو وحده كاف ليحصل به وجود الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل به وجودها ) (5)، وهو سبحانه أيضا الذي يكفي عباده إذا التجئوا إليه واستعانوا به واعتمدوا عليه ، قال تعالى : } الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ { [آل عمران:173/174] ، وعند البخاري عن ابن عباس رضى الله عنه قال : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام حِينَ أُلْقِىَ في النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قَالُوا : } إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ { (6)، ومن كان الله حسيبه كفاه ، ومن عرف الحسيب حاسب نفسه قبل أن يلقاه .

والحسيب جل شأنه هو الذي يحصي أعداد المخلوقات وهيئاتها وما يميزها ويضبط مقاديرها وخصائصها ، ويحصي أعمال المكلفين في مختلف الدواوين ، يحصي أرزاقهم وأقدارهم وأفعالهم ومآلهم ، في حال كونهم وبعد موتهم وعند حسابهم يوم يقوم الأشهاد ، فهو المجازي للخليقة عند قدومها بحسناتها وسيئاتها وحِسابُه واقعٌ لا محالة ، لا يَشْغَلُه حِسابُ واحد عَن آخَر كما لاَ يَشْغَلُه سَمْع عن سمع ولا شَأْنٌ عن شأْنٍ فهو سريع الحساب ، قال تعالى : } الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ { [غافر:17] (7).

والحسيب أيضا هو الكريم العظيم المجيد الذي له علو الشأن ومعاني الكمال ، وله في ذاته وصفاته مطلق الجمال والجلال ، قال تعالى : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { [الشورى:11] ، وقال تعالي : } هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] (8) .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الشَّافِي :

الشافي في اللغة اسم فاعل ، فعله شفى يشفي شفاءََ ، وشفى كل شيء حرفه قال تعالى : } وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ { [آل عمران:103] ، والشِّفاء موافاة شفا السلامة وصار اسما للبرء ، فالشفاء هو الدواء الذي يكون سببا فيما يبرئ من السَّقَمِ ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث جَابِرٍ رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قَالَ : (فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ ) (9)، واسْتَشْفَى طلب الشِّفاء وناله ، وعند مسلم من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَال عن هجاء حسان رضى الله عنه لقريش : ( هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى ) (10) ، أَراد أَنه شَفى المؤمنين واشْتفى بنَفْسِهِ أَي اخْتَصَّ بالشِّفاء ، وهو من الشِّفاء أو البُرْءِ من المرض لكن المعنى نقل من شِفاء الأَجسامِ إِلى شِفاءِ القلوبِ والنُّفُوسِ يقال : اشْتَفَيْتُ بكذا وتَشَفَّيْت من غَيْظِي (11) .

والشافي سبحانه هو الذي يرفع البأس والعلل ، ويشفي العليل بالأسباب والأمل فقد يبرأ الداء مع انعدام الدواء ، وقد يشفي الداء بلزوم الدواء ، ويرتب عليه أسباب الشفاء ، وكلاهما باعتبار قدرة الله سواء ، فهو الشافي الذي خلق أسباب الشفاء ورتب النتائج على أسبابها والمعلولات على عللها فيشفي بها وبغيرها ، لأن حصول الشفاء عنده يحكمه قضاؤه وقدره ، فالأسباب سواء ترابط فيها المعلول بعلته أو انفصل عنها هي من خلق الله وتقديره ومشيئته وتدبيره ، والأخذ بها إنما هو إلزام من قبل الحكيم سبحانه لإظهار الحكمة في الشرائع والأحكام وتمييز الحلال والحرام وظهور التوحيد والإسلام ، فاللّه عزّ وجلّ متصف بالقدرة والحكمة ومن أسمائه القدير الحكيم ، فبالقدرة خلق الأشياء وأوجدها ، وهداها وسيرها ، وهذا توحيد الربوبية ، وبالحكمة رتب الأسباب ونتائجها وابتلانا من خلالها تحقيقا لتوحيد العبودية ، وإنما مثل الأسباب كمثل الآلة بيد الصانع ، فكما لا يقال : السيف ضرب العنق ولا السوط ضرب العبد ، وإنما يقال : السياف ضرب العنق وفلان ضرب فلانا بالسوط ، فكذلك لا يقال شفاني الدواء أو الطبيب لأنها أسباب وعلل ، والعلل كما ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فيما صح عنه : ( طبيبها الذي خلقها ) (12) ، هو القادر الفاعل بلطائف القدرة وخفايا المشيئة ، ولذلك قال إبراهيم عليه السلام : } وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ { [الشعراء:80] ، وقد وحد الغلام ربه في اسمه الشافي لما قال له الوزير في قصة أصحاب الأخدود : ( مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ : إِنِّي لاَ أَشْفِى أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِى اللَّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللَّهِ ، فَشَفَاهُ اللَّهُ ) (13) .

والله عز وجل هو الشافي الذي يشفي النفوس من أسقامها كما يشفي الأبدان من أمراضها قال تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ { [يونس:57] وقد ذكر ابن القيم أن القلب متى اتصل برب العالمين خالق الداء والدواء ومدبر الطب ومصرفه على ما يشاء كانت له أدوية أخرى غير الأدوية التي يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه ، فإذا قويت النفس بإيمانها وفرحت بقربها من بارئها وأنسها به وحبها له وتنعمها بذكره وانصراف قواها كلها إليه وجمع أمورها عليه واستعانتها به وتوكلها عليه فإن ذلك يكون لها من أكبر الأدوية في دفع الألم بالكلية (14) .

الله جل جلاله الرِّفيقُ :

الرفيق في اللغة من صيغ المبالغة فعيل بمعنى فاعل ، فعله رَفَقَ يَرْفُق رِفْقا ، والرِّفْق هو اللطف وهو ضد العنْف ، ويعني لِين الجانب ولَطافة الفعل ، رفق بالأَمر وله وعليه وهو به رَفِيق يعني لَطِيف ، وعند أحمد من حديث عائشة أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ) (15) ، فالرفق هو اللّطفُ ، ورَفِيقُكَ هو الذي يُرافِقُك في السفر تَجْمَعُكَ وإِيّاه رفقة واحدة ، والرفيق أيضا هو الذي يتولي العمل برفق ، أو يتَرفق بالمريض ويتلطف به ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث أَبِى رِمْثَةَ أن أباه ه قَالَ للرسول صلى الله عليه و سلم : ( أَرِنِي هَذَا الَّذِي بِظَهْرِكَ فَإِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ قَالَ صلى الله عليه و سلم : اللَّهُ الطَّبِيبُ ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ ، طَبِيبُهَا الَّذِي خَلَقَهَا ) (16)، والمِرْفَقُ من مَرَافِق الدار الأماكن المصاحبة للدار من خدمات مختلفة كمَصابُّ الماء ونحوُها والمَرفِق من الإِنسان والدابة أَعلى الذِّراع وأَسفلُ العَضُد (17) .

والرفيق سبحانه هو اللطيف بعباده القريب منهم يغفر لهم ويتوب عليهم ، وهو الذي تكفل بهم من غير عوض ، فييسر أسبابهم ، وقدر أرزاقهم ، وهداهم لما يصلحهم ، فنعمته عليهم سابغة ، وحكمته فيهم بالغة ، يحب عباده الموحدين ويتقبل صالح أعمالهم ، ويقربهم وينصرهم على عدوهم ، ويعاملهم بعطف ورحمة وإحسان ويدعو من خالفه إلى التوبة والإيمان ، فهو الرفيق المحسن في خفاء وستر ، يحاسب المؤمنين بفضله ورحمته ، ويحاسب المخالفين بعدله وحكمته ، ترغيبا لهم في توحيده وعبادته ، وحلما منه حتى يدخلوا جميعا في طاعته (18) .

والله عز وجل رفيق يتابع عباده في حركاتهم وسكناتهم ، ويتولاهم في حلهم وترحالهم بمعية عامة وخاصة ، فالمعية العامة كقوله تعالى : } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ { [المجادلة:7] ، والمعية الخاصة كقوله تعالى : } إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا { [التوبة:40] ، وكقوله : } وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ { [الأنفال:19] ، وعند الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن عباس رضى الله عنه قال : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَوْمًا فَقَالَ : ( يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ) (19) ، وعند مسلم من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يقول إذا خرج للسفر : ( اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ ) (20) ، وهو الرفيق الذي يجمع عباده الموحدين عنده في الجنة كما قالت امرأت فرعون : } رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ { [التحريم:11] وعند البخاري من حديث عائشة قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ : لَنْ يُقْبَضَ نَبِي قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي ، غُشِي عَلَيْهِ سَاعَةً ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ، قُلْتُ : إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا ، وَهْوَ صَحِيحٌ ، قَالَتْ : فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا : اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى ) (21) .

الله جل جلاله المُعْطي :

المعطي أصل فعله عطا عطَوْت عطوا ، والعطو هو التناول والعَطاءُ ، والعَطِيَّة اسمٌ لما يُعْطَي وجمعها عَطايا وأَعْطِيَة ، والعطاء إعطاء المال ، والعَطاء أَصله اللفظي عَطاو بالواو لأَنه من عَطَوْت إِلا أَنَّ العرب تَهْمِزُ الواو والياء إِذا جاءتا بعد الأَلف لأنها أفضل في النطق والحركة ، ويقال : اسْتَعْطَى وتَعَطَّي يعني سأَل العَطاءَ ، وإِذا أَردْتَ من زَيدٍ أَن يُعْطِيكَ شيئاً تقولُ : هل أَنتَ مُعْطِيَّه ؟ (22) .

والمعطي سبحانه هو الذي أعطى كل شيء خلقه وتولى أمره ورزقه في الدنيا والآخرة كما قال تعالى عن موسى عليه السلام وهو يصف عطاء الربوبية : } قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى { [طه:50] ، وقال تعالى عن عطاء الآخرة : } وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ { [هود:108] ، وعطاء الله قد يكون عاما أو خاصا ، فالعام يكون للخلائق أجمعين ، والخاص للأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين ، فمن العطاء العام ما ورد في قوله تعالى : } كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً { [الإسراء:20] ، والعطاء هنا هو تمكين العبد من الفعل ومنحه القدرة والاستطاعة ، كل على حسب رزقه وقضاء الله وقدره ، ومن العطاء الخاص استجابة الدعاء وتحقيق مطلب الأنبياء ، والصالحين من الأولياء ، ومن ذلك الدعاء والعطاء في قصة سليمان عليه السلام : } قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَو أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ { [صّ:39] ، وكذلك في دعاء زكريا عليه السلام حيث قال : } وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً { [مريم:5] ، فحقق الله مطلبه وأعطاه ما يتمناه فقال : } يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً { [مريم:7] ، وقال تعال عن عطائه للمؤمنين في الآخرة : } جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً { [النبأ:36].

الله جل جلاله المُقيتُ :

سمى الله نفسه في كتابه المقيت فقد ورد الاسم مطلقا منونا مقرونا بمعاني العلو والفوقية في موضع واحد من القرآن في قوله تعالى : ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ) [النساء:85] ، فالله من فوق عرشه مقيت له الكمال المطلق في إقاتة خلقه ورزقهم فإذا أضيف إلى الإطلاق اجتماع معاني العلو كان ذلك من جمال الكمال في الاسم والصفة .

الله جل جلاله السَّيِّدُ :

ثبت اسم الله السيد في السنة ، فقد سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، ففي سنن أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رضي الله عنه قالَ : ( انْطَلَقْتُ في وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقُلنا : أَنْتَ سَيِّدُنا ، فقَالَ : السَّيِّدُ الله ، قُلْنا : وَأَفْضَلُنا فَضْلاً ، وَأَعْظَمُنَا طَوْلاً ، فَقَالَ : قُولُوا بِقَوْلِكم أَوْ بَعْضِ قَوْلِكمُ وَلاَ يَسْتَجْرِيَنَّكمْ الشَّيْطَانُ ) (1) ، والمعنى تكلموا بما جئتم من أجله ودعكم من المبالغة في التعظيم والتسييد التي تفتح باب الشيطان .

وفي المسند من حديث قَتَادَةَ قَالَ : سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أن رجلا جَاءَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( أنْتَ سَيِّدُ قُرَيْش ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : السَّيِّدُ اللَّهُ ، قَالَ : أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلاً وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلاً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ وَلاَ يَسْتَجِرُّهُ الشَّيْطَانُ ) (2) .

فالحديث يدل دلالة صريحة على إثبات اسم الله السيد ، وأن الذي سماه بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بعد قول رسول الله تعقيب صلى الله عليه وسلم ، لأنه صلى الله عليه وسلم يعني السيادة المطلقة التي تتضمن كل أوجه الكمال والجمال ، فالسيد إطلاقا هو رب العزة والجلال ، ولم ينف صلى الله عليه وسلم السيادة المقيدة التي تليق بالمخلوق ، أو السيادة النسبية التي تتضمن المفاضلة والتفوق على الآخرين (3).

الله جل جلاله الطَّيِّبُ :

اسم الله الطيب لم يرد في القرآن ولكن ورد في السنة مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه كما في صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا ) (4) ، وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ) (5) ، وهذا الحديث ليس أصلا في إثبات الاسم لأنه حسن ، والحديث الحسن هو من رواية الصدوق الذي خف ضبطه كما تقدم في شروط الإحصاء ، ولذلك ليس من أسمائه الحسنى النظيف ، وإنما الثابت الصحيح في الروايات الأخرى الجميل كما سيأتي ، فالأصل في إثبات اسم الله الطيب هو حديث مسلم فتنبه .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الحَكَمُ :

اسم الله الحكم ورد في السنة النبوية مطلقا معرفا مسندا إليه المعنى محمولا عليه مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، كما ورد في الحديث الذي رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ رضي الله عنه : ( أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ : إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَحْسَنَ هَذَا ، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ ؟ قَالَ لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ ؟ قُلْتُ : شُرَيْحٌ ، قَالَ : فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ ) (6) ، فالنص صريح في إثبات الاسم

الله جل جلاله الأَكْرَمُ :

سمى الله نفسه الأكرم في القرآن في قوله تعالى : ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ) [العلق:3] وقد ورد الاسم في الآية مطلقا معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وعند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حتى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضي الله عنها فَقَالَ : زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي )

الله جل جلاله المُقيتُ :

المقيت اسم فاعل للموصوف بالإقاتة ، فعله أقات وأصله قَات يَقُوت قُوتا والقوت لغة هو ما يمسك الرمق من الرزق ، تقول : قات الرجلَ وأقاته أي أعطاه قوته ، والمصدر القوت ، وهو المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة ، وعند أبي داود وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ) (1) .

والمقيت سبحانه هو المقتدر الذي خلق الأقوات وتكفل بإيصالها إلى الخلق وهو حفيظ عليها ، فيعطي كل مخلوق قوته ورزقه على ما حدده سبحانه من زمان أو مكان أو كم أو كيف بمقتضى المشيئة والحكمة ، فربما يعطي المخلوق قوتا يكفيه لأمد طويل أو قصير كيوم أو شهر أو سنة ، وربما يبتليه فلا يحصل عليه إلا بمشقة وكلفة ، والله عز وجل خلق الأقوات على مختلف الأنواع والألوان ويسر أسباب نفعها للإنسان والحيوان قال تعالى : } وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ { [الأنعام:141] ، وكما أنه سبحانه المقيت الذي يوفي كامل الرزق للإنسان والحيوان ، فإنه أيضا مقيت القلوب بالمعرفة والإيمان ، وهو الحافِظُ لأعمال العباد بلا نقصان ولا نسيان (2) ، قال البيهقي في تفسير الاسم : ( المقيت هو المقتدر فيرجع معناه إلى صفة القدرة ، وقيل : المقيت الحفيظ وقيل هو معطي القوت فيكون من صفات الفعل ) (3) .

الله جل جلاله السَّيِّدُ :

السيد في اللغة أصله من سادَ يَسُودُ فهو سَيْوِد ، فقُلبت الواو ياء لأجْل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت ، وقد سادهم سُوداً وسِيادةً يعني استادهم ، والسَّيّد يُطْلق على الربِّ والمالِك والشَّرِيف والفاَضِل والكَريم والحَلِيم ومُتَحمِّل أذَى قَومِه والزَّوج والرئيس والمقدَّم ، والسيد على الإطلاق هو اللَّه لأنه مالك الخلق أَجمعين ولا مالك لهم سواه (4) .

وقد ظن البعض المتكلمين أن تسمية الله بالسيد ، قد يؤدى إلى التشبيه لأن بعض الناس يتسمى به ويوصف به ومن ثم لم يجعلوه من الأسماء وحاولوا استبعاده مع ثبوته في النص الصريح ، وكثير من الذين حاولوا تتبع الأسماء من نصوص القرآن والسنة لم يعتبروه اسما بحجة أنه لم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر كما ذكر النووي في شرحه لصحيح مسلم ، وقد استبعده الغزالي في المقصد الأسنى وابن حجر في حصر الأسماء (5) .

قال ابن القيم فيمن قال لا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم : ( وفي هذا نظر فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى المالك والمولى والرب لا بالمعنى الذي يطلق علي المخلوق ) (6) ، فالسيد حقيقة هو الله الذي يحق له السيادة المطلقة ، حقيقة السؤدد ليست إلا له لأن الخلق كلهم عبيده وهو ربهم ، وهو المالك الكريم الحليم الذي يملك نواصيهم ويتولى أمرهم ويسوسهم إلى صلاحهم ، ومعنى السيد الله شائع ذائع في الكتاب والسنة (7) .

قال أبو الطيب في شرحه لسنن أبي داود : ( السيد الله أي هو الحقيق بهذا الاسم قال القاري أي الذي يملك نواصي الخلق ويتولاهم هو الله سبحانه وهذا لا ينافي سيادته المجازية الإضافية ، المخصوصة بالأفراد الإنسانية ، حيث قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر أي لا أقول افتخارا بل تحدثا بنعمة الله وإلا ، فقد روى البخاري عن جابر أن عمر كان يقول أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا انتهى وهو بالنسبة إلى بلال تواضع ) (8) ، وقال الآلوسي في روح المعاني : ( وإطلاق الصمد بمعنى السيد عليه تعالى مما لا خوف فيه وإن كان في إطلاق السيد نفسه خلاف ، والصحيح إطلاقه عليه عز وجل كما في الحديث ) (9) .

الله جل جلاله الطَّيِّبُ :

الطيب في اللغة على بناء فِعْل ، فعله طاب يطيب طيبا فما أطيبه ، يعني ما أجمله وما أزكاه وما أنفسه وما أحلاه وما أجوده ، والطيب يكون في المحسوسات وغيرها ، فالطيب من المحسوسات هو ما لذ وزكا من خيار المطعومات والملبوسات في الدنيا والآخرة كما ورد في قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً { [البقرة:168] ، وفي النكاح قوله سبحانه : } وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ { [النور:26] ، وقال تعالى عن طيبات الآخرة : } وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { [الصف:12] (10) .

أما الطيب في غير المحسوسات فهو كالطيب من القول والكلمات أو الباقيات الصالحات كما في قوله تعالى : } أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ { [إبراهيم:24] ، وقوله : } لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ { [الأنفال:37] ، وعند مسلم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم كان يقول في التشهد : ( التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ .. الحديث ) (11) .

والله عز وجل طيب له الكمال في ذاته وأسمائه وصفاته ، قال تعالى : } اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى { [طه:8] ، وقال : } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { [الشورى:11] ، وهو أيضا طيب في أفعاله يفعل الأكمل والأحسن ، فهو الذي أتقن كل شيء ، وأحسن كل شيء ، فالحكيم اسمه والحكمة صفته ، وهي بادية في خلقه تشهد لكمال فعله ، وتشهد بأنه جميل جليل عليم خبير ، قال تعالى : } صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ { [النمل:88] ، وقال : } صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ { [البقرة:138] وقال : } الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ { [السجدة:7] ، والطيب أيضا هو القدوس المنزه عن النقائص والعيوب ، قال القاضي عياض : ( الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث ) (12) .

وهو سبحانه الطيب الذي طيب الدنيا للموحدين فأدركوا الغاية منها وعلموا أنها وسيلة إلى الآخرة سينتقلون عنها ، وطيب الجنة لهم بالخلود فيها فشمروا إليها سواعدهم وضحوا من أجلها بأموالهم وأنفسهم رغبة في القرب من الله (13) .

الله جل جلاله الحَكَمُ :

الحكم في اللغة من صيغ المبالغة لاسم الفاعل الحاكم ، وهو الذي يحَكم ويفصل ويقضي في سائر الأمور ، فعله حكم يحكم حُكْما ، والحُكْم العلم والفقه ، قال الله تعالى : } يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً { [مريم:12] ، والحكم القضاء بالعدل قال تعالى : } وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ { [النساء:58] ، والحَكَمُ بفتحتين هو الحاكم ، وحَكَّمه في ماله تحكِيماً إذا جعل إليه الحُكْمَ فيه ، واحتكموا إلى الحاكم وتَحَاكمُوا بمعنى واحد } فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً { [النساء:65] ، والمُحاكَمَةُ هي المخاصمة إلى الحاكم (14) .

والحكم سبحانه هو الذي يحكم في خلقه كما أراد ، إما إلزاما لا يرد وإما تكليفا على وجه الابتلاء للعباد ، فحكمه في خلقه نوعان :

أولا : حكم يتعلق بالتدبير الكوني وهو واقع لا محالة لأنه يتعلق بالمشيئة ، ومشيئة الله لا تكون إلا بالمعنى الكوني فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ومن ثم فلا معقب لحكمه ولا غالب لأمره ولا راد لقضائه وقدره ، ومن هذا الحكم ما ورد في قوله تعالى : } أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ { [الرعد:41] ، وكذلك قوله : } قَال رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ { [الأنبياء:112 ] ، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك ، ومثال الحكم الكوني أيضا : } وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالذِي أُرْسِلتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ { [الأعراف:87] .

ثانيا : حكم يتعلق بالتدبير الشرعي وهو حكم تكليفي ديني يترتب عليه ثواب وعقاب وموقف المكلفين يوم الحساب ، ومثاله ما جاء في قوله تعالى : } يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلتْ لكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلا مَا يُتْلى عَليْكُمْ غَيْرَ مُحِلي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ { [المائدة:1] ، ومثال الحكم الشرعي أيضا قوله تعالى : } وَمَا اخْتَلفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلى اللهِ { [الشورى:10] ، وقوله : } وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلكَ وَمَا أُولئِكَ بِالمُؤْمِنِينَ { [المائدة:43] .

قال القرطبي : ( فالحَكَم من له الحكم وهو تنفيذ القضايا وإمضاء الأوامر والنواهي وذلك بالحقيقة هو الله تعالى ، فهذا الاسم يرجع تارة إلى معنى الإرادة ، وتارة إلى معنى الكلام ، وتارة إلى الفعل ، فأما رجوعه إلى الإرادة فإن الله تعالى حكم في الأزل بما اقتضته إرادته ، ونفذ القضاء في اللوح المحفوظ ، يجري القلم فيه على وفاق حكم الله ، ثم جرت الأقدار في الوجود بالخير والشر ، والعرف والنكر على وفاق القضاء والحكم ، وإذا كان راجعا إلى معنى الكلام فيكون معناه المبين لعباده في كتابه ما يطالبهم به من أحكامه كما يقال لمن يبين للناس الأحكام وينهج لهم معاني الحلال والحرام : حكم ، وعلى هذا فلا يكون في الوجود حكم إلا كتابه ، فعنده يوقف إذ هو الحكم العدل ، وإذا كان راجعا إلى الفعل فيكون معناه الحكم الذي ينفذ أحكامه في عباده بإشقائه إياهم وإسعاده وتقريبه إياهم وإبعاده على وفق مراده )(15) ، وقال ابن القيم في نونيته :

والحكم شرعي وكوني ولا يتلازمان وما هما سيان

بل ذاك يوجد دون هذا مفردا والعكس أيضا ثم يجتمعان

لن يخلو المربوب من إحداهما أو منهما بل ليس ينتفيان

لكنما الشرعي محبوب له أبدا ولن يخلو من الأكوان

هو أمره الديني جاءت رسله بقيامه في سائر الأزمان

لكنما الكوني فهو قضاؤه في خلقه بالعدل والإحسان

هو كله حق وعدل ذو رضا والشأن في المقضي كل الشان (16) .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الأَكْرَمُ :

الأكرم اسم دل على المفاضلة في الكرم ، فعله كرم يكرم كرما ، والأكرم هو الأحسن والأنفس والأوسع والأعظم والأشرف والأعلى من غيره في كل وصف كمال ، قال تعالى : } يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ { [الحجرات:13] (17) .

والأكرم سبحانه هو الذي لا يوازيه كرم ولا يعادله في الكرم نظير ، وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم ، لكن الفرق بين الكريم والأكرم أن الكريم دل على الصفة الذاتية والفعلية معا كدلالته على معاني الحسب والعظمة والسعة والعزة والعلو والرفعة وغير ذلك من صفات الذات ، وأيضا دل على صفات الفعل فهو الذي يصفح عن الذنوب ولا يمن إذا أعطى فيكدر العطية بالمن ، وهو الذي تعددت نعمه على عباده بحيث لا تحصى ، وهذا كمال وجمال في الكرم ، أما الأكرم فهو المنفرد بكل ما سبق في أنواع الكرم الذاتي والفعلي ، فهو سبحانه أكرم الأكرمين ، له العلو المطلق على خلقه في عظمة الوصف وحسنه ، ومن ثم له جلال الشأن في كرمه وهو جمال الكمال وكمال الجمال (18) .

والله عز وجل لا كرم يسموا إلى كرمه ولا إنعام يرقى إلى إنعامه ، ولا عطاء يوازي عطاءه ، وحسبنا ما جاء في قوله : } وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ { [النحل:18] ، وقال : } وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ { [النحل:53] ، وقال : } وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ { [الضحى:11] ، وعند البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) (19) ، الأكرم سبحانه له علو الشأن في كرمه ، يعطى ما يشاء لمن يشاء وكيف يشاء بسؤال وغير سؤال ، وهو يعفو عن الذنوب ويستر العيوب ويجازي المؤمنين بفضله ، ويمهل المعرضين ويحاسبهم بعدله فما أكرمه وما أرحمه وما أعظمه.

الله جل جلاله البَرُّ :

ورد الاسم في القرآن الكريم مطلقا معرفا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في قوله تعالى : ( إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) [الطور:28] ، ولم يرد الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء عند الترمذي وابن ماجة ، وهذه الأسماء مدرجة في الأحاديث وتعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه ، وعلى ذلك لا يصلح الحديث للاحتجاج به على اسم الله البر ، وإن كانت الآية كافية شافية في إثبات الاسم وإحصائه .

الله جل جلاله الغَفَّارُ :

سمى الله نفسه به على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على الوصفية محمولا عليه المعنى مسندا إليه مقرونا باسم الله العزيز في ثلاثة مواضع من القرآن ، كما في قوله تعالى : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) [ص:66] ، وورد مطلقا منونا في قوله تعالى : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا ) [نوح10] ، وفي الجامع الصغير للسيوطي وصححه الألباني من حديث عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل ، تقلب وتلوى من شدة الألم ، قال : لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) (1) .

الله جل جلاله الرَّءوفُ :

سمى الله نفسه الرءوف في القرآن في قوله تعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيم ٌ{ [النور20] وقوله : ( رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَحِيمٌ ) ، وفي هذين الموضعين ورد مطلقا منونا محمولا عليه المعنى مسندا إليه مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية ، وورد مقيدا بالإضافة في قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد ) [البقرة207] ، وعند البخاري من حديث الْبَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ .. إلى أن قال : وَكَانَ الذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (2) .

الله جل جلاله الوَهَّابُ :

ورد الاسم في القرآن الكريم مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في ثلاثة مواضع منها قوله تعالى : ( أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ) [ص:9] ، وقوله سبحانه : ( رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ) [آل عمران:8] ، ولم يرد الاسم في صحيح السنة إلا بالإشارة إلى الآية التي ورد فيها ، وذلك فيما ورد عند البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَىَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلاَةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ؛ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِى ، قَالَ : رَوْحٌ ، َرَدَّهُ خَاسِئًا )

الله جل جلاله البَرُّ :

الَبرُّ اسم فاعل للموصوف بالبر ، فعله بَرَّ يَبَرُّ فهو بارُّ , وجمعه بَرَرَة , وجمع البَرّ والبِرُّ هو الإحسان ، ومنه ما رواه البخاري من حديث ابن مسعود رضى الله عنه قَالَ : ( سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ، قَالت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ .. الحديث ) (1) ، والبر في حق الوالدين والأقْربِينَ من الأهل ضدّ العُقُوق وهو الإساءة إليهم والتَّضْييع لحقّهم (2) ، والبَرُّ والبارّ بمعنى واحد , لكن الذي ثبت في أسماء الله تعالى البَرُّ دُون البارّ والأسماء كما علمنا توقيفية على النص .

والبر سبحانه وتعالى هو العَطوف على عبادة ببِرّة ولطفه ، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض والسماء ، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ، وَقَالَ : يَدُ اللَّهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ ) (3) ، كما أن البر عز وجل هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه ، ويقبل القليل منه وينميه ، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عَمَّ بِرُّهُ وإحسانُه جميعَ خلقِهِ فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه (4) ، قال أبو السعود : ( البر المحسن الرحيم الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب ) (5) .

الله جل جلاله الغَفَّارُ :

الغفار في اللغة من صيغ المبالغة على وزن فعال كثير المغفرة ، فعله غفر يغفر غفرا ومغفرة ، وأَصل الغَفرِ التغطية والستر ، وقد تقدم الحديث عن المعنى اللغوي في تفسير اسم الله الغفور (6) .

والغفار سبحانه هو الذي يستر الذنوب بفضله ويتجاوز عن عبده بعفوه ، وطالما أن العبد موحد فذنوبه تحت مشيئة الله وحكمه ، فقد يدخله الجنة ابتداء وقد يطهره من ذنبه ، والغفور والغفار قريبان في المعنى فهما من صيغ المبالغة في الفعل ، وقيل الغفار أبلغ من الغفور ، فالغفور هو من يغفر الذنوب العظام ، والغفار هو من يغفر الذنوب الكثيرة ، غفور للكيف في الذنب وغفار للكم فيه (7) ، وقد تكون هناك من الفروق ما لم يظهر حتى الآن مما يظهر إعجاز القرآن فيما يستقبل من الزمان ، كما هو الحال في الإعجاز العددي لحساب الحروف والجمل فإنها أمور تزيد العقل عجزا في تصور عظمة القرآن (8) ، وقد ظهر الآن الإعجاز الصوتي للأسماء الحسنى وإن كان الأمر يتطلب مزيدا من الأدلة ، فقد تبين بالتجربة أن كل اسم له تأثير صوتي على الجهاز المناعي في الإنسان ، وأمور أخرى تبين أن اسم الله الغفار على وزن فعال له موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله ، وأنه يختلف عن اسم الله الغفور على وزن فعول ، وله أيضا موضعه المحسوب بدقة في كتاب الله (9) .

وأيا كان الفرق فإن الغفار يدل على المبالغة في الكثرة ، والله عز وجل وضع نظاما دقيقا لملائكته في تدوين الأجر الموضوع على العمل ، فهي تسجل ما يدور في منطقة حديث النفس دون وضع ثواب أو عقاب لقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث : ( إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا ، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلمْ ) (10) ، وهذا يتطلب استغفارا عاما لمحو خواطر الشر النابعة من هوى النفس ، ويتطلب استعاذة لمحو خواطر الشر النابعة من لمة الشيطان ، كما أنها تسجل ما يدور في منطقة الكسب مع وضع الثواب والعقاب ، وهي تسجل فعل الإنسان المحدد بالزمان والمكان ثم تضع الجزاء المناسب بالحسنات والسيئات في مقابل العمل ، فإذا تاب العبد من الذنب محيت سيئاته وزالت وغفرت بأثر رجعي وبدلت السيئات حسنات كما قال تعالى : } إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِل عَمَلاً صَالحاً فَأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً{ [الفرقان:70] (11) ، وهذه هي المبالغة في المغفرة أن الوزر يقابله بالتوبة الصادقة حسنات فالله عز وجل غفار كثير المغفرة لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا ، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا ، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها كما قال : } وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى { [طه:82] (12) .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الرَّءوفُ :

الرءوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل الرائف ، وهو الموصوف بالرأفة ، فعله رَأَفَ به يَرْأَفُ رَأْفَةً ، والرأفة في حقنا هي امتلاء القلب بالرقة وأشد ما يكون من الرحمة ، وقيل : بل شدة الرحمة ومنتهاها قال تعالى : } الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ { [النور:2] ، يعني لا تنظروا بأي اعتبار يمكن أن يمنحهم شيئا من الرحمة والرقة فلا ترحموهما فَتُسْقِطُوا عنهما ما أَمَرَ الله به من الحدّ ، ويمكن القول أن الرحمة تسبق الرأفة ، فالرأفة هي المنزلة التي تعقبها ، يقال : فلان رحيم فإذا اشتدت رحمته فهو رءوف فالرأفة آخر ما يكون من الرحمة ، ولذلك قدمت الرأفة على الرحمة في وصف نبينا صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : } لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ { [التوبة:128] ، على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة ، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة والمؤمنين ، أما الرحمة في اسمه الرحيم فهي رحمة عامة لجميع المسلمين ، بخلافة الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين ، فالأمر في الرأفة والرحمة على قدر الولاية والإيمان وعلى حسب علو الهمة في عمل والإنسان ، وقد كانت رأفة النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه ما بعدها رأفة مخلوقة وخصوصا يوم فتح مكة (13) .

والرءوف سبحانه هو الذي يتعطف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده طاعته وهذا من كمال الرأفة بالصادقين ، روى البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ التِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ التِي يَمْشِى بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) (14).

وكذلك الرءوف يدل على معنى التعطف على عباده المذنبين ، فيتح لهم باب التوبة ما لم تغرغر النفس أو تطلع الشمس من مغربها ، فقد روي مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أن رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم قَال : ( مَنْ تَابَ قَبْل أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللهُ عَليْه ) (15) ، وروي مسلم من حديث أَبِي مُوسَى الأشعري رضى الله عنه أنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم قَال : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل يَبْسُطُ يَدَهُ بِالليْل ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ الليْل حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) (16) ، والرءوف أيضا هو الذي يخفف عن عباده فلا يكلفهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم قال تعالى : } يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً { [النساء:28] ، وقال : } لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا { [البقرة:286] (17) .

الله جل جلاله الوَهَّابُ :

الوهاب في اللغة صيغة مبالغة على وزن فعال من الواهب وهو المعطي للهبة ، فعله وهب يهب وهبا وهبة ، والهبة عطاء الشيء بلا عوض ، قال ابن منظور : (الهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض ، فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا وهو من أبنية المبالغة ) (18).

والوهاب سبحانه هو الذي يكثر العطاء بلا عوض ، ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض ، ويعطي الحاجة بغير سؤال ، ويسبغ على عباده النعم والأفضال ، نعمه كامنة في الأنفس وجميع المصنوعات ، تراها ظاهرة بادية في سائر المخلوقات ، نعم وعطاء وجود وهبات تدل على أنه المتوحد في اسمه الوهاب قال تعالى : } لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ { [الشورى:50] (19) .

والله جل شأنه يهب العطاء في الدنيا على سبيل الابتلاء ، ويهب العطاء في الآخرة على سبيل الأجر والجزاء ، فعطاؤه في الدنيا علقه بمشيئته وابتلائه للناس بحكمته ليتعلق العبد بربه عند النداء والرجاء ، ويسعد بتوحيده وإيمانه بين الدعاء والقضاء ، وهذا أعظم فضل وهبة وعطاء إذا أدرك العبد حقيقة الابتلاء واستعان بالله في تحقيق ما يتمناه ، قال زكريا عليه السلام في دعائه : } وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً { [مريم:5] ، وقال سبحانه عن عباده الموحدين : } وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً { [الفرقان:74] ، وقال تعالى في المقابل عن الراغبين في الدنيا المعرضين عن الآخرة : } مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُورا ً{ [الإسراء:18] ، فعلق تحقيق مراد العبد في الدنيا على مشيئة الرب ، أما في الآخرة فله كل ما يتمناه قال تعالى : } لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ { [قّ:35] ، فالله عز وجل من أسمائه الحسنى الوهاب ومن صفاته أنه يهب ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء ، فإن أوجب شيئا على نفسه فهو من فضله وكرمه فما يعطيه لعباده ظاهرا وباطنا في الدنيا والآخرة إنما هي نعم وهبات وهي من الكثرة بحيث لا تحصيها حسابات .

الله جل جلاله الجَوَادُ :

الجواد من أسماء الله الحسنى التي وردت في السنة ، فقد سماه به النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق منونا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه ، كما ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، وكذلك من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويبغض سفسافها ) (1) ، وهذا الحديث صحيح بمجموع طرقه صححه الشيخ الألباني وغيره ، وهو المعول عليه في إثبات الاسم (2) .

وعند الترمذي في سننه وحسنه وكذلك عند أحمد من حديث أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أن رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا عِبَادِي .. لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ وَرَطْبَكُمْ وَيَابسَكُمُ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ سَائِلٍ مِنْكُمْ مَا سَأَلَ ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي إِلاَّ كَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ مَرَّ بِالْبَحْرِ فَغَمَسَ فِيهِ إِبْرَةً ثُمَّ رَفَعَهَا إِلَيْهِ ، ذَلِكَ بِأَنِّي جَوَادٌ مَاجِدٌ ، أَفْعَلُ مَا أُرِيدُ ، عَطَائِي كَلاَمٌ وَعَذَابِي كَلاَمٌ ، إِنَّمَا أَمْرِي لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْتُهُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )(3) .

وروى الترمذي في سننه وحسنه الألباني من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ) (4) .

وهذا الحديث والذي قبله ليس أصلا في إثبات اسم الله الجواد لأنه على أجود الأحكام حديث حسن ، والحسن هو ما اتصل سنده بنقل الصدوق الذي خف ضبطه (5) ، ولذلك لم نعتد به في حصر الأسماء الحسنى وإنما في دلالة الاسم على الصفة ، ومن ثم فإنه ليس من أسمائه الحسنى النظيف ولا الماجد ، وإنما الثابت الصحيح في الروايات الأخرى الجميل والجواد والطيب .

الله جل جلاله السُّبوحُ :

ورد الاسم في السنة مطلقا منونا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه في صحيح مسلم من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : ( سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ ) (6) ، والحديث ورد أيضا عند أبي داود والنَسائي وأحمد .

الله جل جلاله الوَارِثُ :

ورد الاسم في القرآن على سبيل الإطلاق والتعظيم معرفا مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في قوله تعالى : ( وَكَمْ أَهْلكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ) [القصص:58]، وقوله : ( وَإِنَّا لنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُون ) [الحجر:23] ، وورد أيضا في دعاء زكريا عليه السلام : ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) [الأنبياء:89]
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الجَوَادُ :

والجواد في اللغة فعله جادَ يَجود جَوْدة ، وجاد الشيءُ جُودة أَي صار جَيِّدا ، والجَيِّد نقيض الرديء ، وقد جاد جَوْدة وأَجاد يعني أَتى بالجَيِّد من القول أَو الفعل ، والجود هو الكرم ، ورجل جَواد يعني سخيّ كثير العطاء ، والجود من المطر هو الذي لا مطر فوقه في الكثرة ، وفلان يَجُود بنفسه أَي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإِنسان ماله ويجود به ، وعند البخاري من حديث أُسَامَةَ رضى الله عنه قَالَ : ( كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ إِحْدَى بَنَاتِهِ .. أَنَّ ابْنَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا : لِلَّهِ مَا أَخَذَ ، وَلِلَّهِ مَا أَعْطَى ، كُلٌّ بِأَجَلٍ ، فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) (1) ، والذي يجود بنفسه عند الموت لا دخل له في إخراج الروح أو إبقائها وإنما ذلك لله عز وجل الذي يأمر ملائكته باستخراجها ، ولكن عبر بأنه يجود بنفسه تكريما له إذ لا حيلة في دفع الموت ، أو لرضاه بقدر الله واستعداده للقائه ورغبته في أن يلقى الله مؤمنا ، كما في حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضى الله عنه عند مسلم ( أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم وَهِىَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ... إلى أن أقام عليه الحد فرجمت .. ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ تُصَلِّى عَلَيْهَا يَا نَبِىَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ : لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى ) (2) ، فالجود سهولة البذل والإنفاق وتجنب ما لا يحمد من الأخلاق ويكون بالعبادة والصلاح وبالسخاء والسماح (3).

والجواد أيضا جمع جادة والجادة الطريق الممهد ، أو سواء الطريق ووسطه ، أو الطريق الأعظم التي تجتمع الطرق عليه كما ورد عند مسلم من حديث عبد الله بْن سَلاَمٍ رضى الله عنه أنه قال : ( بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي : قُمْ ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ قَالَ فَإِذَا أَنَا بِجَوَادَّ عَنْ شِمَالِي ، قَالَ : فَأَخَذْتُ لآخُذَ فِيهَا فَقَالَ لِي : لاَ تَأْخُذْ فِيهَا فَإِنَّهَا طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ : فَإِذَا جَوَادُّ مَنْهَجٌ عَلَي يَمِيِنِي فَقَالَ لِي : خُذْ هَا هُنَا ، فَأَتَيْتُ النَّبِي صلى الله عليه و سلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ ، فَقَالَ ، أَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الشِّمَالِ ، قَالَ : وَأَمَّا الطُّرُقُ الَّتِي رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ فَهِي طُرُقُ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) (4) .

والجواد سبحانه هو الكامل في ذاته وصفاته والكثير في جوده وعطائه الذي يجود بفضله على سائر خلقه لا تنفد خزائنه ولا ينقطع عطائه ، وهو عليم بموضع جوده وعطائه ، فلا يعطي إلا لمن استحقه وعلى قدر مصلحته وما يحقق منفعته (5) ، وهو الذي يهدي عباده أجمعين إلى جادة الحق المبين ، هداهم إلى صلاحهم في الدنيا والآخرة بأن بين لهم طريقه المستقيم ودعاهم إليه ، قال تعالى : } وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [يونس:25] ، وقال سبحانه : } إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ { [هود:56] .

ويذكر ابن القيم أن الجواد سبحانه هو الذي له الجود كله ، وجود جميع الخلائق في جنب جوده أقل من ذرة في جبال الدنيا ورمالها ، فمن رحمته سبحانه بعباده ابتلاؤهم بالأوامر والنواهي رحمة وحمية لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به فهو الغني الحميد ، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه فهو الجواد الكريم ، ومن رحمته أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا في النعيم المقيم في داره وجواره فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان ، فمنعهم ليعطيهم وابتلاهم ليعافيهم ، وأماتهم ليحييهم ، ومن رحمته بهم أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به ، فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به ، كما قال تعالى : } وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ { [آل عمران:30] ، قال غير واحد من السلف : من رأفته بالعباد حذرهم من نفسه لئلا يغتروا به (6).

الله جل جلاله السُّبوحُ :

والسبوح في اللغة من أبنية المبالغة على وزن فعُّول ، فعله سبح يَسبحُ تسبيحا وسَبَحَ في الكلام إِذا أَكثر فيه التَّسبيح والتنزيه ، وسبحانَ اللَّه معناه تنزيه الله من الصاحبة والولد ، وقيل معناه تنزيه اللَّه تعالى عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به ، وجِماعُ معناه بُعْدُه تبارك وتعالى عن أَن يكون له شريك أَو ندّ أَو مِثيْلٌ أَو ضدّ ، وسبَّحْتُ اللَّه تسبيحاً وسُبْحاناً بمعنى واحد (7).

والسُبُّوحُ عز وجل هو الذي له أوصاف الكمال والجمال بلا نقص ، وله الأفعال المقدَّسة عن الشَّرَّ والسوء ، حيث يسْبحُ فيها قلبُ المُسَبِّح تذكُّرا وتفكُّرا فلا يرى إلا العظمةَ والبعدَ عن النَّقْص والشَّرّ ، فيقول ما أبْعَد الله عن السوء ، ثم يقطع مسافةً أو مَرْحَلةً أخرى في معرفةِ ومشاهدةِ الأَوْصَاف والأفعال فيزداد تعظيماً لله وتبعيدا له من السوء ، والقلب في ذلك يبتعد من الظلمات إلى النور ، ومن إرادة الشر إلى إرادة الخير ، ومن عَمَي القُلُوب وأَدْوَائها إلى نُورِها وشِفَائِها ، ومن فَسَادِها وَسَيْطرة الأهواء عليها إلى صَلاَحِها وسَيْطرة الوَحْي عليها (8) .

وعند مسلم من حديث أَبِى مُوسَى الأشعري رضى الله عنه أنه قَالَ : ( قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ .. وذكر منها .. حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) (9) .

والسبوح سبحانه هو الذي سبح بحمده المسبحون قال تعالى : } إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ { [الأعراف:206] ، وقال : } دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ { [يونس:10] ، وقال : } تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً { [الإسراء:44] ، وقال سبحانه : } سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ { [الصافات:180] .

الله جل جلاله الوَارِثُ :

الوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، فعله ورث يرث ورثا وإرثا ووراثة ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر ، ومنه وارث مال الميت الذي يملك تركته ووارث الملك يرث سلطانه .

والوارث سبحانه هو الباقي وغيره هالك فان ، والخلائق يتعاقبون على الأرض ، فيرث المتأخر المتقدم ، والولد والده ، ويستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة ، ولا يبقى في الأخير غير الله الوارث الكبير ، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق ، أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها ، قال تعالى : } وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ { [آل عمران:180] } وَمَا لكُمْ أَلا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ { [الحديد:10] ، وقد تحدثنا في اسم الله الآخر أن بقاء المخلوقات في الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء ، وكذلك فإنها لا تتعارض مع اسم الله الوارث ، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء ، أما صفات الله عز وجل فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته باقية ببقاء ذاته سبحانه وتعالى لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة .

الله جل جلاله الرَّبُّ :

ثبت الاسم في القرآن والسنة ، فقد سمى الله عز وجل نفسه بالرب على سبيل الإطلاق والإضافة ، وكذلك سماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فالإطلاق كما ورد في قوله تعالى : ( سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) [يس:58] ، وكقوله تعالى : ( بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور ٌ{ [سبأ:15] ، وفي السنة ما رواه مسلم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : ( أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) (1) .

وعند الترمذي وقال حسن صحيح ، من حديث عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ في جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ ) (2) .

وقد ورد الاسم في السنة أيضا في مواضع كثيرة ، منها ما ورد عند البخاري من حديث مالكِ بنِ صَعْصَعةَ رضي الله عنه أن النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال : ( فأتيتُ على موسى ؛ فسلمت عليه فقال : مَرحباً بكَ من أخ ونبيّ ، فلما جاوَزتُ بكى فقيل : ما أبكاك ؟ قال : يا رب ، هذا الغلامُ الذي بُعِثَ بعدي ؛ يَدخُل الجنةَ من أُمَّتهِ أفضلُ ممّا يدخلُ من أمَّتي ) (3) ؛ فالأدلة كثيرة على أن الرب اسم من أسماء الله الحسنى ؛ سمى الله به نفسه في كتابه وسماه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد اجتمعت فيه شروط الحصر .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الأعْلى :

ورد اسم الله الأعلى في القرآن والسنة مطلقا معرفا مرادا به العلمية ودالا على الوصفية وكمالها ، كما في قوله تعالى : ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى ) [الأعلى:1] ، ففي هذا الموضع ورد معرفا مطلقا مسندا إليه المعنى محمولا عليه في قوله : ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ) [الأعلى: 2] ، وقد ورد الاسم أيضا في قوله : ( وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى ) [الليل:20] .

وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قَالَ : ( صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ .. إلى أن قال : ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّي الأَعْلَى ) (4) ، وروى أبو داود وصححه الألباني من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ : سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى قَالَ : سُبْحَانَ رَبِّىَ الأَعْلَى ) (5) .

الله جل جلاله الإِلَهُ :

سمى الله نفسه بالإله على سبيل الإطلاق والإضافة مرادا به العلمية ودالا على الوصفية في القرآن والسنة ، وقد ورد المعنى محمولا عليه مسندا إليه كما جاء في قوله تعالى : ( وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) [البقرة:163] ؛ حيث ورد فيها الإطلاق والإضافة معا ، ومن جهة العلمية اللغوية فقد ورد الاسم منونا مجرورا في قوله تعالى : ( وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلا إِلهٌ وَاحِدٌ ) [المائدة:73] ، وقال الإمام البخاري : ( باب ما يُذكرُ في الذّاتِ والنُّعوتِ وأسامي الله عز وجلّ وقال خُبيب : وذلك في ذاتِ الإِله ، فذكر الذاتَ باسمِهِ تعالى ) (6) ، وهو يشير إلى حديث أبي هريرةَ رضي الله عنه في قصة خبيبٌ الأنصاريُّ رضي الله عنه لما قال قبل قتله وهو في الأسر بعد أن صلى ركعتين :

ولستُ أبالي حينَ أُقتلُ مسلماً : على أيِّ شِقٍّ كان لِلهِ مصرعي

وذلك في ذات الإِلهِ وإنْ يَشا : يُباركْ على أوصالِ شِلوٍ مُمزَّع

فقتله ابنُ الحارث ، فأخبرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه خَبرَهم يومَ أُصيبوا ) (7) ، قال ابن حجر : ( وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره فكان جائزا ) (8) .

وقد ورد الاسم مضافا مقيدا في آيات كثيرة كقوله تعالى : ( نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ إِلهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لهُ مُسْلمُونَ ) [البقرة:133] .

وعند البخاري من حديث عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنه قال : كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدعو منَ الليل : ( اللهمَّ لك أَسلمتُ ، وبكَ آمنتُ ، وعليكَ توكلت ، وإليك أَنَبْتُ ، وبك خاصمتُ ، وإليك حاكمتُ ، فاغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ ، وأسرَرْت وأعلنت ، أنتَ إلهي لا إلهَ لي غيرك )

الله جل جلاله الرَّبُّ :

الرب في اللغة مصدر مستعار للفاعل فعله رب يرب ربوبية أو ربى يربي تربية ، والرب هو الذي يربي غيره وينشئه شيئا فشيئا ، ويُطْلقُ على المالِك ، والسَّيِّد المُدَبَّر ، والمُرَبِّي ، والقَيِّم ، والمُنْعِم ، ولا يُطلَقُ غيرَ مُضاف إلاَّ عَلَى الله تعالى ، وإذا أُطلِقَ على غَيره أُضِيف ؛ فيقال : رَبُّ كذا ، تقول : هذا رب الإبل ، ورب الدار ، أي مالكها ، ويطلق أيضا على السيد المطاع ، ومنه قوله تعالى : } أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا { ، أي سيده المطاع ، ويطلق الرب أيضا على المعبود ومنه قول الشاعر : أرب يبول الثعلبان برأسه * لقد ذل من بالت عليه الثعالب .

فوصف الرب من الناحية اللغوية يكون لمن أنشأ الشيء حالا فحالا إلي حد التمام أو قام على إصلاح شئون الغير وتولى أمره بانتظام (1) .

والرب سبحانه وتعالى هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها وهو الذي نظم معيشتها ودبر أمرها ، ودليل هذا المعنى ما ورد في قوله تعالى : } إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ { [الأعراف:54] ؛ فربنا تبارك وتعالى هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادا وإمدادا ورعاية وقياما على كل نفس بما كسبت ، قال تعالى : } أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ { [الرعد:33] ، وقال : } إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَليماً غَفُوراً { [فاطر:41] .

وتوحيد الله بالربوبية في القرآن يقوم على ركنين اثنين وردا في آيات كثيرة ، أحدهما إفراد الله بالخلق والثاني إفراده بالأمر وتدبير ما خلق ، كما قال تعالى عن موسى عليه السلام هو يبين حقيقة الربوبية ومعناها لما سأله فرعون عنها : } قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى قَال رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى { ، فالآية دلالتها صريحة على أن موسى عليه السلام لما سئل عن الربوبية أجاب فرعون بحصر معانيها في معنيين جامعين ، الأول : إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده ، والثاني : إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم ؛ فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين قال تعالى : } اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل ، لهُ مَقَاليدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ { [الزمر:63] (2) .



الله جل جلاله الأعْلى :

الأعلى في اللغة من صيغ أفعل التفضيل ، فعله علا يعلو علوا ، فالأعلى هو الذي ارتفع عن غيره وفاقه في وصفه ، وهي مفاضلة بين اثنين أو الجميع في عظمة الوصف أو بين صاحب العلو والأعلى منه ، فالأعلى ذو العلا والعلاء والمعالي (3) ، قال تعالى : } وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ { [النحل:60] ، وقال : } وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ { [الروم:27] .

قال الألوسي : ( وله المثل الأعلى أي الصفة العجيبة الشأن التي هي مثل في العلو مطلقا ، وهو الوجوب الذاتي ، والغنى المطلق ، والجود الواسع ، والنزاهة عن صفات المخلوقين ، ويدخل فيه علوه تعالى عما يقول علوا كبيرا ) (4) .

واسم الله الأعلى دل على علو الشأن وهو أحد معاني العلو ، فالله عز وجل تعالي عن جميع النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته ، وتعالي في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير ، وتعالى في عظمته عن الشفيع دون إذن أو خضوع ، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد ، وأن يكون له كفوا أحد ، تعالي في كمال حياته وقيوميته عن السنة والنوم ، وتعالي في كمال وقدرته وحكمته عن العبث والظلم ، وتعالي في كمال علمه عن الغفلة والنسيان ، وعن ترك الخلق سدي دون غاية لخلق الجن والإنسان ، وتعالي في كمال غناه يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ ويرزُق ولا يُرزَق ، بل هو على كل شيء قدير ، وكل شيء إليه فقير ، وكل أمر عليه يسير ، لا يحتاج إلى شيء ، } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { ، تعالي في صفات كماله ونعوت جلاله عن التعطيل والتمثيل ، قال تعالي : } هَل تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً { [مريم:65] (5) .

والله عز وجل يجوز في حقه قياس الأولي بدليل قوله : } وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ { [النحل:60] ، فإنه من المعلوم أن كل كمال أو نعت ممدوح لنفسه لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات المخلوقة المحدثة ، فالرب الخالق الصمد القيوم هو أولى به ، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات المحدثة المكنة فالرب الخالق القدوس السلام هو أولى أن ينزه عنه (6) .

قال ابن تيمية : ( ولهذا كانت الطريقة النبوية السلفية أن يستعمل في العلوم الإلهية قياس الأولى ، كما قال الله تعالى : } وَلِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلَى { ، إذ لا يدخل الخالق والمخلوق تحت قضية كلية تستوي أفرادها ، ولا يتماثلان في شيء من الأشياء ، بل يعلم أن كل كمال لا نقص فيه بوجه ثبت للمخلوق فالخالق أولى به ، وكل نقص وجب نفيه عن المخلوق فالخالق أولى بنفيه عنه ) (7) ، فقياس الأولى جائز في حق الله وأسمائه وصفاته وأفعاله .

أما المحرم الممنوع فهو قياس التمثيل والشمول ، لأن قياس التمثيل هو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة (8) ، فالممثل جعل صفة الإنسان التي لا يعرف غيرها أصلا ، وجعل صفة اللَّه التي دلت عليها النصوص فرعا ، ثم طابق الفرع على الأصل وحكم بينهما بالتماثل ، وهذا باطل لا يصح في قياس ما هو غيبي على المشهود المرئي ، والممثل لأوصاف اللَّه بأوصاف البشر من خلال هذا القياس ظالم لنفسه متقول على ربه ، فهو في الحقيقة تخيل في ذهنه أن صفة اللَّه الواردة في نصوص الكتاب والسنة كصورة إنسان من البشر ، وعظمها له الشيطان فعبدها على أنها المقصود عند ذكره لأوصاف اللَّه ، وهو في حقيقة أمره إنما يعبد صنما ، ولذلك قال ابن تيمية في وصف حال الممثل : الممثل يعبد صنما (9) .

أما النوع الثاني من القياس المحرم فهو قياس الشمول ، وهو القانون الشامل أو الأحكام العامة التي تطبق على جميع الأفراد ، أو كما عرفوه بأنه قياس كلي على جزئ ، فالمكيف أو المشبه الذي يستخدم قياس الشمول جعل الكيفية التي تحكم أوصاف الإنسان قانونا يحكم به على أوصاف الله (10) ، كقوله : لو كان اللَّه متصفا بالكلام لكان له فم ولسان ، لأنه لم ير المتكلم في أحكام الدنيا إلا على هذه الكيفية وكقوله : لو كان على العرش لكان محمولا ، فطبق قانون الجاذبية الأرضية على كيفية استواء الخالق كما يطبقها على استواء الإنسان أو حمله للأشياء .

ومعلوم أن صاحب الفطرة السليمة يأبى أن يقال مثل هذا في أوصاف اللَّه ، بل يعلم أن هذه الأحكام ربما لا تطبق على الإنسان خارج نطاق الجاذبية الأرضية ، مثل أماكن انعدام الوزن أو المحطات الفضائية ، أو ربما يسمع صوتا من غير فم أو لسان كما يري المسجل يعيد الصوت ويكرره كأنه إنسان ، وإذا قيل : لا يدخل قاعة الاختبار في الكلية إلا طلاب السنة النهائية علم العقلاء أن ذلك لا ينطبق على الأساتذة المراقبين أو القائمين على النواحي الإدارية ، وإذا قيل : لا يدخل المصنع إلا العاملون علمنا أن ذلك لا ينطبق على صاحب المصنع ومن رافقه ، وهكذا يعلم العقلاء وأصحاب الفطرة السليمة أن القوانين التي تحكم أوصاف البشر لا تنطبق على رب البشر ، وأن اللَّه ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله ، وهو الأعلى المتوحد في وصفه ، وعلى ذلك يلزم الاحتراز من استخدام هذين النوعين من القياس في حق اللَّه ، قياس التمثيل وقياس الشمول ، لأن النتيجة المترتبة على استخدام الممثل لقياس التمثيل واستخدام المكيف المشبه لقياس الشمول هي تعطيل العلم الصحيح بأوصاف الحق التي وردت في نصوص الكتاب والسنة تحت ادعاء دلالة النص على التمثيل والتشبيه ، ولذا قال ابن تيمية : كل ممثل معطل (11) ، لأنه عطل الصفة الحقيقية لله عز وجل ، فالتمثيل والتشبيه افتراء على اللَّه سبحانه وتعالي حيث ادعي في وصف اللَّه ما لا علم له به ، وزعم أن أوصاف اللَّه تشبه أوصاف البشر ، وهي في الحقيقة ليست كذلك وقد حرم اللَّه عز وجل القول عليه بلا علم فقال تعالى : } وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا { [الإسراء:36] ، وقال أيضا : } قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا على اللَّه مَا لا تَعْلَمُونَ { [الأعراف:33] .
 

MooT

ستار جديد
الله جل جلاله الإِلَهُ :

الإله في اللغة ، فعله أَلَهَ يألَهُ إلاهَة أي عبد ، والإله هو الله عز وجل ، وكل ما اتخذ من دونه معبوداً إِلهٌ عند متخذه ، والجمع آلِهَةٌ ، والآلِهَةُ الأَصنام سموا بذلك لاعتقادهم أَن العبادة تَحُقُّ لها ، ومنه قرأ ابن عباس رضي الله عنهما : ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) (الأعراف:127) وإلاهَتَكَ بكسر الهمزة أي وعبادتك ، وكان يقول إن فرعون كان يُعبد ، ومنه قولنا : الله ، وأصله إلاهٌ على فعال بمعنى مفعول لأنه مألوه أي معبود ، كقولنا إمام بمعنى مؤتم به ، فلما أدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام (12) .

والإله عند السلف هو المعبود بحق ، المستحق للعبادة وحده دون غيره ، وقد قامت كلمة التوحيد في الإسلام على معني الألوهية ، قال ابن تيمية : ( لا إله إلا أنت فيه إثبات انفراده بالإلهية ، والألوهية تتضمن كمال علمه وقدرته ، ورحمته وحكمته ، ففيها إثبات إحسانه إلى العباد ، فإن الإله هو المألوه ، والمألوه هو الذي يستحق أن يعبد ، وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزمك أن يكون هو المحبوب غاية الحب ، المخضوع له غاية الخضوع ، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية ) (13) .

واسم الإله يختلف في معناه عن اسم الرب في كثير من النواحي ، فالرب معناه يعود إلى الانفراد بالخلق والتدبير ، أما الإله فهو المستحق للعبادة ؛ المألوه الذي تعظمه القلوب ، وتخضع له وتعبده عن محبة وتعظيم وطاعة وتسليم ، ولذلك كان التوحيد الذي أمر الله عز وجل به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن لتوحيد الربوبية بأن يعبد الله وحده لا يشركون به شيئا ، فيكون الدين كله لله ، ولا يخاف العبد إلا الله ، ولا يدعو أحدا إلا الله ، ويكون الله أحب إليه من كل شيء ؛ فالموحدون يحبون لله ويبغضون لله ويعبدون الله ويتوكلون عليه (14) .

أما من يجعل توحيد الألوهية مقصورا على إفراد الله بالخالقية ، فقد سلك طريق المتكلمين والجهمية ، الذين جعلوا غاية توحيد الألوهية إثبات وجود الصانع بالأدلة العقيلة ، وما يجب له من الصفات المعنوية أو يجوز أو يستحيل في حقه ، وقد بين الله عز وجل أن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية ، وكانوا يعتقدون أن الله خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم ، كما قال سبحانه وتعالى في شأنهم : } وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُون { [العنكبوت:61] ، لكنهم مع ذلك كانوا يشركون به .
 

becchir2003

ستار جديد
سبحان الله وبحمده الذي خلق عبادا مثلك ينيروننا باعمالهم الصالحة
thumb: thumb: thumb: thumb: thumb:
 
أعلى