ما الجديد
ستار دي في بي | StarDVB

أهلاً وسهلاً بك من جديد في ستار دي في بي StarDVB. تم في الاونة الاخيرة تطوير وتخصيص الموقع ليشمل IPTV و SMART TV بشكل أوسع من السابق. إذا كنت مسجل سابقا يمكنك الدخول باسم المستخدم السابق نفسه، وإن كنت غير مسجل مسبقاً، يمكنك التسجيل الان. نرحب بمشاركاتك واقتراحاتك في أي وقت، نتمنى لك وقتاً ممتعاً معنا.

ولكن ؟؟ للدكتورعبد الكريم بكار

غريب2004

ستار جديد
إذا تأملنا في بنية الخطاب الإسلامي الحالي وجدنا أنه يتجه شيئًا فشيئًا نحو التعقيد والتركيب، حيث الخوض في التفاصيل، وحيث استخدام الاستدراكات والاستثناءات والاحترازات على نحو واسع ومتسع. وهذا يشكل علامة إيجابية على تطور الفكر الإسلامي واكتسابه المزيد من الحساسية حيال التنوع العظيم الذي فطر الله –جل وعلا- عليه الأشياء والأحداث. كما أنه يعبر عن شعور أعظم بالمسؤولية تجاه التفاصيل الحياتية الكثيرة. هذا كله لا ينفي وجود شريحة إسلامية ليست قليلة، من الكتاب والمتحدثين، مازالت مفتونة بالتقريرات الجازمة والأحكام الصارمة؛ ظنًا منها أن ذلك يعبر عن التمكن العلمي، كما أنه يحفز الناس على العمل الصالح؛ إذ يحشرهم في الزاوية الضيقة! والخبر السارّ هنا هو أن هذه الشريحة تسير في اتجاه التقلص وليس في اتجاه التمدّد والاتساع. ولعلنا نلقي بعض الأضواء على هذه المسألة عبر المفردات الآتية:
1- إننا حين نستخدم أدوات مثل (لكن) و (إلا) و(ربما) فإننا نعبِّر في الحقيقة عن عدد من المعاني، قد يكون أهمها الشعور بقصور النظام اللغوي الذي نستخدمه. ونحن نعرف أنه ليس هناك نظام لغوي كامل، وذلك القصور كثيرًا ما يتجلى في قصور القواعد التي نعبر من خلالها عن الظواهر، مما يلجئنا في النهاية إلى استخدام أدوات تدل على الاستثناء، ونحن نعبر عن ذلك القصور بقولنا: "لكل قاعدة شواذ"، إلى جانب الشعور بعدم كفاءة النظام اللغوي نشعر أننا نتحدث عن ظواهر مركبة، يصعب التعبير عنها بجمل جامعة أو بجمل بسيطة ومختصرة، ولهذا الشعور دلالة على النضج الفكري الذي يتجسد في الوعي على امتلاك الرؤى المركبة ذات الأبعاد المتعددة. إن الأطفال ومَن في حكمهم ممن حُرم من التزوّد بالمعرفة الجيدة يقنعون بأي تعبير، ويسارعون إلى تصديق أي مقولة؛ لأنهم لا يملكون من النضج العقلي والثراء المعرفي ما يجعلهم يبحثون عن المهمل والمسكوت عنه والشاذ والقليل من الظواهر المطروحة للبحث والتداول. ولك أن تتخذ من هذا معيارًا للتقدم العقلي، فالذين يكثرون من الاستدراك والتحرز في كلامهم ويحاولون نقد المقولات والقواعد العامة يكشفون عن وعي بالطبيعة المركبة لمعظم ظواهر الوجود، والذي يحفزهم من جهته على الأناة في إصدار الأحكام واقتراح طرق المعالجة. أما الذين ما زالوا في أول طريق النضج، فإنهم يفرحون بحفظ القوانين العامة والجمل ذات الدلالات المطلقة، ويتضايقون ممن يجادلهم في شيء منها. وإن المتعمق في كثير من الحكم والأمثال الموروثة والحديثة يجد أنها تنزع إلى التعمق والتعبير المبسّط عن قضايا كبرى، لكنها تُتَلقّى من لدن كثيرين بشيء من الفهم الحرفي، مع أنها في الأصل رؤى وخبرات لأشخاص معينين، أي أنها نابعة من نظرة خاصة أو جزئية. وأتمنى أن يتفرّغ لإعادة النظر فيها بعض الباحثين النابهين بغية وضع الأمور في نصابها.
2- الرشد الفكري يعني أشياء عديدة، ومن أهم ما يعنيه وضوح الرؤية، وينبغي أن نفترض ابتداء أن المعرفة النامية والخبرة المتراكمة تتيح للمتأخر أن يرى ميزات الأشياء وسلبياتها على نحو أفضل من رؤية المتقدم لها. إن المتأخر أشبه بمن يقف على كتفي عملاق، فهو يرى ما يراه العملاق، وما لا يراه. لكن هذا لا يتم إذا اعتقدنا أننا محرومون من المواهب التي حبا الله بها السابقين، أو اعتقدنا أن كل ما قاله السابقون يظل أقرب إلى الصواب؛ على حين يظل ما نقوله نحن يظل أقرب إلى الخطأ. إن الله –سبحانه- أتاح للمتأخرين من الاطلاع على قوانين الكون أضعاف أضعاف ما أتاحه للسابقين؛ ولا مانع يمنع من أن نتمكن من كشف سنن نفسية واجتماعية وإصلاحية وتربوية كانت غائبة عن استيعاب معظم من سبقنا؛ فالمعطي الوهّاب رب السابقين واللاحقين، ولا على حاجر على فضله. إن هذا الكلام قد يثير الوحشة لدى بعض الناس، مع أن كثيرًا مِن تقدّمنا اليوم ربما كان مرتبطًا بالعمل وفق معطياته ولوازمه.
3- الرؤية السطحية تتشكل من مجموعة كبيرة من المسلمات والمقولات البسيطة والمستعجلة وذات الطابع الشخصي. أما الرؤية المتعمقة المدققة فهي رؤية مركبة. والرؤية المركبة هي رؤية تفصيلية بامتياز، والمتأمل في الذكر الحكيم يجد توجيهًا قويًا نحو تعميم هذه الرؤية وترسيخها في العقلية الإسلامية. وهذا التوجه يتجلّى تارة في الاستثناء، وتارة في إطلاق تعبيرات غير حاسمة، وتارة في تعبيرات تؤسس إلى المحاسبة والاحتزاز من التعميم والشمول. وهذه بعض النماذج لما يدل على ذلك. يقول الله –سبحانه-: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [سورة العصر]. وقد تلقى الوعي الإسلامي الاستثناء في هذه السورة على أنه محورها والمقصود الأكبر منها؛ حيث إننا نستشهد بها في معظم الأحيان للدلالة على الأهمية الكبرى للتواصي بلزوم الحق والصبر. ويقول –جل وعلا-: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً) [آل عمران: 75]. إن أهل الكتاب متفاوتون في أمانتهم، كما أنهم متفاوتون في صدقهم وفي درجات انحرافهم، وفي مدى عداوتهم للمسلمين. والرؤية التفصيلية هنا تحرضنا على أن ننظم تجاههم ردود أفعال مختلفة، ونتوقع منهم مواقف وسلوكات متباينة. وفي هذا نفع ومصلحة للجميع. ويقول سبحانه: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103]. وقال: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]. مهما بذلنا من الجهود الدعوية، ومهما كانت الغلبة للمسلمين في الأرض فإن أهل ملة الإسلام سيظلون أقلية، وهذا تشهد به كل مراحل التاريخ، وهذا ما يشهد به الواقع المعيش. وهذا الشأن في الشاكرين القائمين بحقوق النعمة. إننا لا نستطيع تعميم حكم الإيمان أو الكفر أو الشكر أو الاستقامة في أي عصر من العصور. وعلينا قبل إصدار الأحكام أن ندقق ونتحقق. ثم إن جهود الأمة المسلمة بناء على هذا استهدف زيادة عدد المؤمنين والشاكرين وتقليل أعداد الكافرين والجاحدين، ليس أكثر من ذلك. والانطلاق من هذا المقصد يعرض علينا التحلّي ببعض الأخلاق والآداب، واستخدام بعض الوسائل الخاصة وللحديث صلة.
 
أعلى