Brave Heart
كبار الشخصيات
ما هو العلم؟لم يجتمع كثيرون على تعريف قاطع مانع للعلم.. فما هو العلم؟
هل هو ما توصل إليه الإنسان الآن؟ ولماذا توصل الإنسان فى الماضى إلى أشياء لا نستطيع أن نقوم بها الآن ـ التحنيط مثلاً؟! أم أن العلم لم نصل إليه بعد, ونحن فى حالة تطور علمى مستمر؟
لنبدأ الإجابة بتعريف كلمة "علم", والتى تعنى إدراك الشىء بحقيقته.. وكما أوضحنا فى الحلقة السابقة أن أول ما يحتاج الإنسان إليه لكى يتعلم هو الإدراك بداية بالإدراك الحسى، ثم الإدراك المعنوى.
والسؤال التالى: ما هو الشىء؟
كلمة "شىء" تعنى كل ما يخلقه الله سبحانه وتعالى.
"قل الله خالق كل شىء" ـ
"ليس كمثله شىء".
أما بالنسبة لكلمة حقيقة فأصلها من حق، أى ما لا يشوبه وهم ولا باطل.. ولذلك إذا عرف الإنسان الحقيقة ـ لا يتدخل فيها أى ريب.
ولقد قال أحد فلاسفة الغرب إن الحقيقة التى يعرفها كل الناس هى الموت.
عَالَماالغيب والشهادة
والآن فلنحاول مرة أخرى أن نسأل
ما هو العلم؟
على هدى التعريف بأنه: إدراك الشىء بحقيقته.
وأول ما سوف نواجهه هو أن الإنسان من خلال إداركه لا يستطيع أن يدعى أنه يدرك كل شىء. ولذلك كل ما غاب عن الإدارك سمى بعَالَمْ الغيب. كذلك سمى كل ما ندركه بعَالَمْ الشهادة.
وإذا كانت الحقيقة التى يدركها كل الناس هى الموت، فالأشياء انقسمت بالنسبة لكل إنسان إلى شقين:
الشق الأول: ما قبل الموت "الحياة الدنيا".
الشق الثانى: ما بعد الموت "الآخرة".
أما بالنسبة للناس عامة فالأشياء تنقسم إلى ما قبل يوم البعث, وما بعد يوم البعث.. فإذا نظرنا إلى الإنسان من جانب الإدراك الحسى لوجدنا أن عَالَمْ الشهادة بالنسبة له محدود جداً. ويقتصر على ما أدركه حسياً فى الفترة التى عاشها. أما عَالَمْ الغيب فليس له حدود, فهو كل ما لم يدركه حسياً.
أما إذا تناولنا الإنسان من خلال الإدراك المعنوى لوجدنا اختلافًا كبيرًا بين الناس, من حيث ما يمثل لكل منهم ما هو عَالَمْ الغيب وعَالَمْ الشهادة. ويرجع هذا الاختلاف إلى أن الإدراك المعنوى يعتمد على ما تعلمه كل إنسان. فكلما تعلم الإنسان أصبح ما هو موجود فى عَالَمْ الغيب يدرج ضمن عَالَمْ الشهادة بالنسبة له.
فمثلاً عندما يدرس إنسان التاريخ ـ أى أحداث قد حدثت فى وقت سابق وغابت عن إدراكه الحسى فكانت فى عَالَمْ الغيب. ولكن من خلال الإدراك المعنوى "التعلم" أصبحت هذه الأحداث فى عَالَمْ الشهادة بالنسبة له. بينما تظل بالنسبة لإنسان آخر لم يتعلم فى عَالَمْ الغيب.
ولنضرب مثلاً آخر, فالإنسان ظل يتعلم حتى تعلم ما هى الذرة، وعلى الرغم من وجود الذرة من ملايين السنين, إلا أنها كانت فى عَالَمْ الغيب.. فلما تعلمها أصبحت فى عَالَمْ الشهادة.. وربما لا زالت فى عَالَمْ الغيب لإنسان لم يتعلمها بعد.
الحقيقة!
إذاً فالأشياء موجودة بحقيقتها خارج إدراك الإنسان.
والسؤال: من يَعلَم هذه الحقيقة؟
لا يعلم حقيقة كل شىء إلا الذى خلق كل شىء. و"ليس كمثله شىء" الله سبحانه وتعالى, فهو العليم والإنسان هو المتعلم. ولقد سبق ووضحنا فى أصل كلمة "اسم". ووجدنا أن لها اشتقاقين: فعل "يسمو" من "العلو". وفعل "يَسم" من يؤثر بمعلَم.. لكنها فى حقيقة الأمر لها أصل واحد. فعند الله سبحانه وتعالى الاسم يعلو الشىء لأنه هو الخالق. فعنده اسم الشىء قبل خلقه "العلم" أما بالنسبة للإنسان. فالاسم يلى الشىء ليميزه. فالإنسان مُتعلم.
وعند خلق الإنسان تكون جميع الأشياء من قبل يوم البعث وما بعد البعث فى عَالَمْ الغيب..
"الله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً"
وكلما تعلم الإنسان شيئًا تحول ذلك الشىء من عَالَمْ الغيب إلى عَالَمْ الشهادة. علماً بأنه مهما ما بلغ ما تعلمه الإنسان " عَالَمْ الشهادة" بالمقارنة بعَالَمْ الغيب لوجدناه قليل القليل "وما أوتيتم من العلم إلى قليلا".
والسؤال الآن: كيف يتعلم الإنسان؟!
سوف نتناول هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد, ولكن نستطيع أن نقول هنا إن العلم هو حقيقة الأشياء, بدءًا من قبل البعث وإلى ما بعد البعث. وأن هذا العلم لله وحده سبحانه وتعالى. والإنسان لا يحيط بشىء من هذا العلم إلا بمشيئته "ولا يحيطون بشىء من علمه إلا بما شاء".
ورحمة من الله بالإنسان فقد آتاه الله بعلم لم ولن يستطيع أى إنسان أن يتعلمه بدون أن يرسله الله لنا مباشرة. فلم يمت شخص ثم عاد إلى الحياة ليعلمنا ماذا حدث بعد الموت. وما كان للإنسان أن يعلم أن هناك بعثًا. أو يعلم بوجود الجنة والنار.. وما كان لنا أن نعرف قصة آدم وغيرها. فهذا كله علم يسره الله لنا لكى نعلمه.
التكليف!
ولقد كلف الله سبحانه وتعالى الأنبياء بتوصيل هذا العلم للناس. فهم حاملون للنبوة ـ وكلمة النبوة من نبأ. أى ما يحمل حقيقة الشىء والعلم, فأنباء الغيب علم لا نستطيع أن نعلمه بأنفسنا.. بخلاف العلم الذى نتعلمه من خلال دراستنا للأشياء, واستخدام العقل الذى منحه الله سبحانه وتعالى للإنسان لكى يتعلم.
ولقد حاول الباحثون معرفة ماذا يتم فى مخ الإنسان عندما يتعلم. وكما نعرف فإن السطح الخارجى للمخ يسمى بالقشرة المخية, وتحتوى على تجاعيد وعلامات كثيرة. ومن خلال استخدام الميكروسكوب الإليكترونى لاحظ الدارسون أنه كلما تعلم الإنسان شيئًا فإنه يترك علامة على القشرة المخية. فيمكنا أن نتخيل قشرة المخ مثل سطح الاسطوانة التى ُيكتب عليها بقلم الليزر.. وبالتالى يتم حفظ المعلومة التى يمكن استخدامها عندما نحتاج إليها.
لذلك فإن تلقى الأنبياء للعلم لم يأت من خلال الإدراك الحسى.. ولكن مباشرة إلى الإدراك المعنوى.
وبعد.. فهل يمكن أن نعود مرة أخرى لآلاف السنين عبر آلة الزمن السحرية التى تسمى الفكر لنذهب إلى آدم ونسأل كيف تعلم؟
أما هذا المشهد الذى وصل إلينا عبر كلمات الله ـ القرآن ـ على هذه الصورة إلا بهدف التبسيط وسهولة الإدراك.. والمشهد الذى ورد فى قصة الخلق وصفه كالتالى:
الملائكة, وقد غاب عنهم ما علمه الله تعالى لآدم, أجابوا عند سؤال الخالق: "سبحانك.. لا علم لنا إلا ما علمتنا".. فأوحى الله تعالى إلى آدم أن "أنبئهم" بالعلم الذى تعلمه, ليكون أول نبى للبشر وفى مقام النبى للملائكة، فأمر صاحب الأمر سبحانه وتعالى ملائكته بالسجود لسيدنا آدم سجود تشريف وليس سجود عباده.. فسجدوا له.
ولك عزيزى القارئ أن تتخيل جلال هذا الموقف.. وتستبقيه حاضرا فى فكرك أنى تشاء.. ولكن لا تنس دائماً وأبداً وأنت تستعيد هذا المشهد أن تردد بقلبك
"سبحان الذى علم الإنسان ما لم يعلم".