المكتبات في العصر العباسي
مع امتداد الفتوحات الإسلامية اطلع العرب والسلمون على حضارات الأمم السابقة وترجموا ما استطاعوا إليه سبيلا" فألفوا وأبدعوا حتى أنتجوا للعالم اجمع حضارة لا يزال العلم الحديث يرتكز على قواعدها والمبادئ التي سارت عليها .
وكان نتيجة ذلك ازدهار حركة التأليف والترجمة وإنشاء المكتبات في مختلف أرجاء العالم الإسلامي لأغراض مختلفة ، وأصبحت المكتبات تحوي عشرات الآلاف من المجلدات والمخطوطات ، وفي هذا الصدد تقول ( زيغريد هو نكه ) في عام 891م بلغ عدد دور الكتب في بغداد وحدها اكثر من مائه دار .
وعندما جاءت الدولة العباسية إلى الحكم وحصل الاختلاط بينهم وبين الفرس واليونان دفعهم ذلك إلى الاطلاع على شئ مما كان عندهم من آثار المتقدمين من العلماء والحكماء والفلاسفة .
وكان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أول من اعتنى بترجمة بعض الكتب العائدة لتلك الدول ، وقد قام بعملية الترجمة طبيبه جورجيس بن جبرائيل الذي كان يشرف على علاجه ، فترجم له كتبا" كثيرة من اللغات الأخرى إلى العربية ، كما ترجم ابن المقفع كاتب المنصور كتاب كليلة ودمنه من اللغة الفهلوية إلى العربية وغيرها من الكتب .
وفي عام 156 هجري قدم على المنصور رجل من الهند عالم بالحساب المعروف " بالسند هند" في حركات النجوم فآمر المنصور بترجمة هذا الكتاب إلى العربية ، وان يؤلف منه كتبا" تتخذه العرب أصلا"في حركات الكواكب .
ويعتبر الخليفة المهدي أول من ورد ذكره في التاريخ من الخلفاء العباسين انه اعتنى بجمع الكتب هو محمد المهدي (158 – 169 )هجري والد هارون الرشيد فانه ورث دفاتر علم أوصى له بها أبوه أبو جعفر المنصور (136- 158 )هجري عند وفاته وكان شديد الحرص عليها .
ويؤيد عناية المهدي بجمع الكتب ما أثبته المؤرخ ميخائيل الكبير البطريرك السرياني قال :ذكر المؤرخ داؤد الشرقي انه عثر في الكتب التي جمعها الخليفة المهدي ونقلها إلى بغداد على الخبر التالي " لما خرج يوحنا فم الذهب إلى المنفى نقش على باب كنيسة أنسطاسيا في القسطنيطية قوله : أني تركت للكنيسة (800) مجلد من الشروح والميامر والتراجم والكتابات .
ويعتبر عصر الرشيد والمأمون العصر الذهبي لعملية النقل من سائر اللغات إلى العربية ، فقد اصبح هذا العمل في زمانهما" عملا" رسميا"تتولاه الدولة وتنفق عليه من موازنتها وتحشد له اعظم النقلة والعلماء والمفكرين وتؤسس المؤسسات العلمية وتراسل الملوك والحكام من اجل الحصول على الكتب والمخطوطات وترسل البعثات في طلب الكتب العلمية والطبية والفلسفية .
وفي الجملة فان المسلمين نقلوا إلى لسانهم معظم ما كان معروفا" من العلم والفلسفة والطب والنجوم والرياضيات والأدبيات عند سائر الأمم المتمدنة في ذلك العهد فاخذوا من كل آمة احسن ما عندهم .
لقد أسس الرشيد مؤسسه كبرى للقيام بهذا العمل الجليل وهي مؤسسه كان عملها أول الأمر النقل ثم تطورت زمن المأمون وأصبحت مؤسسه علمية من الطراز الممتاز واطلق عليها " بيت الحكمة " وأصبحت في فترة خلافة المأمون أكاديمية بالمعنى العلمي تحتوي على أماكن للدرس وأماكن لخزن الكتب والنقل والتأليف .
لقد كانت الحملات العسكرية التي قام بها الرشيد لها هدف علمي هو الحصول على المخطوطات والكتب النادرة ، وكانت هذه الحملات توجه إلى المدن المشهورة والتي تعتبر معقلا" للثقافة كعمورية وأنقرة وغيرهما .
وكانت خزائن هذه المدن مليئة بالمخطوطات النادرة والكتب النفيسة ومن ضمن الشروط التي يتم الصلح عليها بين الرشيد وحكام هذه الدول هو الحصول على الكتب التي يرغب بالحصول عليها .
ويأمر بأن تترجم فترجمت ، وبذلك كانت حركة الترجمة أقوى منها في عهد المنصور .
وقد عهد الرشيد إلى شيخ النقلة وطبيبه الخاص يوحنا بن ماسويه بعد أن عيّنه رئيسا" لبيت الحكمة وكلفه بترجمة الكتب التي غنمت من أنقرة وعمورية .
كما عهد الرشيد للقيام بشوؤن خزانة كتب الحكمة إلى شخص يتقن الفارسية هو الفضل بن نوبخت أبو سهل فارسي الأصل وهو من أئمة المتكلمين وقد تولى أمور خزانة الحكمة وكان ينقل كتب الحكمة الفارسية إلى العربية ، وكان الرشيد من المتواضعين للعلماء .
ومن النقلة الذين خدموا الرشيد والمأمون الحجاج بن يوسف بن مطر فقد نقل كتاب "أقليدس" "أصول الهندسة " مرتين الأول زمن الرشيد وسمّي الهاروني والثانية زمن المأمون وسمّي المأموني .
فإذا انتقلنا إلى عصر المأمون نجده تمم ما بدأه جده المنصور فاقبل على طلب العلم في مواضّعه واستخراجه من معادنه بفضل همته وقوة نفسه فداخل ملوك الروم وأتحفهم بالهدايا وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلاسفة ، وقد سار على سياسة والده في توجيه الغزوات نحو المدن التي تحتوي خزائن المخطوطات للحصول عليها ، كما انه لجا إلى مراسلة ملوك الروم في القسطنيطنية وصقلية وقبرص وغيرها من المدن طالبا" تزويده بما لديهم من مخطوطات وكلف أمهر المترجمين ليترجموها فترجمت وحض الناس على قراءتها ورغبهم في ذلك ونفقت سوق العلم في زمانه .
وقامت دولة الحكمة في عصره وتنافس أولو النباهة في العلوم كما وجدوا اهتمامه وعطاياه ،فكان يجالس العلماء ويأنس بمناظرتهم ويتلذذ بمذاكرتهم ،فينالون عطاياه وهذه سيرته مع العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين أهل اللغة والأخبار والمعرفة حتى أصبحت الدولة العباسية تضاهي الدولة الرومية أيام اكتمالها وزمان اجتماع شملها .
وكان المأمون يجد لذة في البحث والدرس والمناظرة والجدل العلمي والتأليف والنقل فكان يجمع العلماء ويطلب إليهم أجراء المناظرة بين يديه ويشارك بها .
والمأمون أول من فحص علوم الحكمة وحصلّ كتبها وآمر بنقلها إلى العربية وشهرها وحل أقليدس ونظر في علوم الأوائل .
وقد اجتمع لدى المأمون في بيت الحكمة عدد من العلماء والبحاثة أمثال سهل بن هارون وسعيد بن هارون وسلم والحجاج بن مطر وابن البطريق ويوحنا بن ماسويه ، وعهد المأمون إلى حنين بن إسحاق بمراقبة النقل من اليونانية إلى العربية .
وكانت اكبر مكتبة نقل إلينا خبرها في ذلك العصر هي ((خزانة الحكمة أو بيت الحكمة)) ويشير احمد أمين بكتابه ضحى الإسلام أن هذه الخزانة أو البيت محوطة بغموض ، هل كانت مكتبة فقط أو مكتبة ومعهد ومرصد ؟ وأين كان مكانها ؟ وهل انشأها الرشيد أم المأمون ويخلص احمد أمين بان الرشيد هو الذي وضع نواة هذه المكتبة ثم نمت وتطورت وازدهرت وقويت في عصر المأمون ويشير احمد أمين بأن خزانة الحكمة كانت في عهد الرشيد وكان يعمل فيها علماء مختلفوا الثقافات ،فيوحنا بن ماسويه له مقدرة على ترجمة الكتب اليونانية وابن نوبخت ينقل من اللغة الفارسية ما يجده من كتب الحكمة الفارسية والراويه علاّن الشعوبي فارسي الأصل كان يعمل ضمن المجموعة .
وكانت خزانة الحكمة في عهد الرشيد مكانا"فيه كتب وله رئيس ديوان وفيه كانت تنسخ الكتب اليونانية والفارسية وتترجم .
وكان بيت الحكمة عبارة عن مجلس للترجمة أو النسخ أو الدرس أو التأليف ، فيجلس النساخ في أماكن خاصة بهم ينسخون لأنفسهم أو بأجور وكذلك المترجمون والمطالعون والمؤلفون .
لقد انشأ البغداديون المكتبات على غرار مكتبة الحكمة واشهرها مكتبة وقفها سأبور بن أردشير سنة 381 هجري في منطقة الكرخ وجعل فيها اكثر من عشرة آلاف مجلد .
وكانت دار الحكمة أو بيت الحكمة تحوي فريقا" من المجلدين همهم الكتب وحفظها حتى لا تتأثر بكثرة الاستعمال ومن هولاء المجلدين يرد أسم ابن أبي الحريش وأيضا"أسم علان الشعوبي وقد كان المشرف على النسخ وهو المسؤول عن تزويد المكتبة بالكتب الجديدة ومايلزم العمل من أوراق ومحابر وغيرها .
أما الاسم فأحيانا" يستعمل العلماء أسم بيت الحكمة وأحيانا" خزانة الكتب ، فالخزانة كلمة معروفة وهي أسم الموضع أو المكان الذي يخزن فيه الشئ وقد وردفي القرآن الكريم ((وان من شئ آلا عندنا الله خزائنه )) سورة الحجر /الأية21, ((ولا أقول لكم عندي خزائن الله )) سورة هود /الأية 31 .
فاستعملوه للدلالة على المكان الذي حفظت فيه الكتب ، وقد استعملت كلمة خزانة للدلالة على ذلك ، فقد رويّ أن الجاحظ أراد أن يهدي محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم كتاب
سيبويه ،فقال له ابن الزيات أو ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب .
ويبدو أن المأمون ومن أتى بعده من الخلفاء حاولوا أن يجمعوا في هذه المكتبة القسم الأكبر من تراث الإسلام حتى عهدهم .
ولم تكن هذه العناية قاصرة على المأمون وحده بل كان في عهده جماعة ذوو يسار اعتنوا بنقل هذه الكتب إلى اللسان العربي ومن هؤلاء محمد واحمد أبناء أو بني موسى ويعرفون بأبناء المنجم لقد تفانوا في طلب العلوم القديمة وبذلوا الأموال الطائلة واحضروا النقلة وأرسلوا حنين بن إسحاق إلى بلاد الروم فجاءهم بطرائف الكتب وغرائب المصنفات وكانوا ينفقون في الشهر (500)دينار للنقل والملازمة ولهم مؤلفات عديدة .
وقد ذكر ياقوت الحموي بكتابه ( معجم الأدباء ) بأنه لم يسمع ولم يرى شخصا" أحب الكتب والعلوم أكثر من حب الجاحظ لها فانه لم يقع بيده كتاب قط آلا أستوفى في قراءته حتى أنه كان يستأجر دكاكين الوراقين يبت بها وذلك للاطلاع والقراءة ، وكان يحضر مجالس المتوكل الخليفة العباسي فإذا أراد الخليفة القيام لحاجة اخرج كتابا"من كمه وقراءه في مجلس المتوكل إلى حين عودته .
وقال إسماعيل أبن إسحاق القاضي ما دخلت يوما" على الجاحظ الأ وجدته ينظر في كتاب أو يقلب كتبا" أو ينفضها
وهذا دليل واضح على حب المطالعة والقراءة ومن الروايات التي يرد ذكرها حول حب الكتاب ما أورده ياقوت الحموي في كتابه (معجم الأدباء) من حديث أبو مسهل عبد الوهابّ حيث قال : كان إسماعيل بن صبيح قد أقدم أبا عبيده من البصرة في أيام الرشيد إلى بغداد وأحضر الأثرم (علي بن المغيرة) وهو يومئذ وراق وجعله في دار من دوره وأغلق عليه الباب ودفع أليه كتب أبي عبيده وأمره بنسخها فكان أبو مسهل وأصحابه يذهبون إلى الأثرم فيدفع لهم الكتب والورق ويطلب منهم نسخها وأعادتها أليه ، وكان أبو عبيده من أبخل الناس بكتبه ولو علم ما كان يفعله الأثرم لمنعه من ذلك .
ويذكر أحمد أمين بكتابه (ضحى الإسلام ) بأن بعض المؤرخين قد بالغوا عندما زعموا أن بيت الحكمة كان جامعة كبيرة ملحق به مكتبة ومرصد ويشير بأن هذه المكتبة كانت ملحقة بقصر الخليفة وقد أعتاد الخلفاء أن يفعلوا هذا في قصورهم ، فكان في قصر قرطبة مكتبة وفي قصر الخليفة الفاطمي العزيز بالله مكتبة ، كما أن للمأمون مكتبة خاصة به أفرد لها حجرة من حجر القصر وكان يشرف عليها سهل بن هارون بالإضافة إلى أشرافه على دار الحكمة أو بيت الحكمة .
وكان المأمون ينفق الكثير على العاملين في مكتبته وبيت الحكمة وأن رواتبهم كانت أعلى بكثير من رواتب الموظفين الآخرين ،كما أن محمد بن عبد الملك الزيات الذي كان وزيرا" للواثق فقد بلغ عطاءه للنقلة والنساخ في كل شهر ألفي دينار .
هذا وقد أستمرت خزانة الكتب في العمل وتأدية رسالتها بعد المأمون ولكنها فقدت كثيرا"من أهميتها مع توالي الزمن وقد كانت لا تزال موجودة في أواسط القرن الرابع الهجري .
أما بيت الحكمة فيغلب الظن أنها أستمرت موجودة طوال العهد العباسي إلى أن دهم التتار بغداد سنة (656ه/1258م) وقتلوا المستعصم آخر خلفاء بني العباس فذهبت خزانة الكتب وذهبت معالمها وأعفيت آثارها .
لقد أهتم خلفاء بغداد على ضعفهم وقلة مواردهم بالعلم والمدارس والمكتبات كل الاهتمام فهذا الخليفة الناصر لدين الله فقد كان محبا" للعلم جامعا" للكتب أعتنى بالمكتبات وأسس المكتبة النظامية عندما أعاد عمارتها ونقل لها آلوف الكتب النفيسة وأيضا" انشا الرباط المعروف بالرباط الظاهري غربي بغداد ونقل أليه كتبا" كثيرة كما أنه أهتم بتغذية الخزائن الخليفية التي كانت موجودة وأشترى لها الكتب ونظمها أحسن التنظيم وقد أوكل مهمة أختيار الكتب إلى شخص يدعى(مبشر بن أحمد بن علي الرازي) وأعتمد عليه في أختيار الكتب التي وقفها على الرباط الخاتوني .
أما الخليفة المستنصر بالله الذي تولى الخلافة بعد الناصر فقد ورد عنه حبه للعلم والعلماء وأهتمامه بالكتب والمكتبات حيث أسس المدرسة المستنصرية والتي أصبحت في وقتنا الحاضر الجامعة المستنصرية وقد أرتبط أسمه بهذه المؤسسة .
أما الخليفة المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسين فقد أنشأ خزانتين للكتب نقل إليهما نفائس الكتب وجعل المسؤول عن الأولى صدر الدين بن التيار وجعل متولى الثانية عبد المؤمن بن فاخر الأرموي ، وكان الخليفة يجلس بعض الوقت في الخزانتين بالتناوب وهاتين الخزانتين أقيمتا في دار الخلافة الخاصة والدليل على ذلك أنه عندما آمر سنة 641 هجري بعمل خزانة الكتب الأولى في داره حليت جدرانها بأشعار نظمها شعراء الديوان :
أنشأ الخليفة للعلوم خزانة سارت بسيرة فضله أخبارها
تجلو عروسا" من غرائب حسنها درر الفضائل والعلوم نثارها
أهدى مناقبه لها مستعصم بالله لا لائه أنوارها
أما الخزانة الثانية فقد أسسها في أخريات أيامه وكان يمضي شطرا" من وقته في الخزانتين .
أما بلاد الشام فأن أشهر أمراء سوريا الذين أهتموا بالعلم والأدب وشجعوا عليه هوسيف الدولة الحمداني في القرن الرابع الهجري وكان مقره حلب فقد أجتمع حوله أعظم الأدباء والشعراء والعلماء أمثال المتنبي وأبو فراس وأبن خالويه والفارابي , فقد أهتم سيف الدولة بالنقل وكان عنده طبيب يدعى عيسى الرقي ينقل من السرياني إلى العربي وقد أوجد سيف الدولة مكتبة كبرى جعلها في عهدة شاعرين أخويين مشهورين هما محمد بن هاشم وأبو عثمان سعيد بن هاشم .
لقد حفل هذا العصر والعصور التي تلته بمئات العلماء والبحاثة الذين عشقوا الكتب وأحبوها حبا" ملك عليهم ألبابهم ومشاعرهم وأنساهم ملذات الدنيا حتى الأهل والولد ، ومن هؤلاء يرد ذكر الجاحظ والفتح بن خاقان نديم المتوكل والقاضي إسماعيل بن إسحاق .
كانت دكاكين الوراقين مكانا" يلتقي فيه الأدباء والعلماء والفضلاء يتذاكرون فيه الحوادث ويتناشدون الأشعار ويتجادلون ويتساجلون ويبحثون آخر الأنباء والأخبار الأدبية .
وقد أعتبر أن فراق الكتب من الحوادث المؤلمة التي تحدث للأنسان فبعضهم فارق كتبه بعين دامعة وقلب راجف وكأنه يفارق عزيز له ، وقصة الحسن بن محمد بن حمدون فقد كان من محبي الكتب وعشاقها وأقتنائها والمبالغين في تحصيلها وشرائها وحصلت لديه ضائقة مالية عندما تقاعد عن العمل فأخذ يخرج كتبه ويبيعها وعيناه تذرفان الدموع كالمفارق لأهله الأعزاء المفجوع بأحبابه .
ويشير ابن خلكان في كتابه (وفيات الأعيان) بأن الزهري كان محبا" للكتب جامعا" لها ،وكان إذا جلس جعلها حوله والتها بها عما عداها إلى أن قالت له زوجته يوما"(والله لهذه الكتب أشد علّي من ثلاث ضرائر) .
وقد ساعد على أزدهار الحركة العلمية وأنتشار التأليف والنقل أختراع الورق وأنتشار أستعماله بدأ من عصر الرشيد والمأمون فكان أول مصنع للورق في بغداد في محلة (دار القز).
أن أختراع الورق وأنتشار أستعماله في أروبا من النعم التي أنعمت بها الحضارة الإسلامية على العالم وساعد على نشر العلم ومحو الجهل وأنارة معالم الطريق أمام الأجيال ، كما أن ذلك الأختراع أدى إلى ظهور طبقة من الوراقين وقد لعبوا دورا"مهما في تاريخ الحضارةالاسلامية.
وعمل الوراقين في ذلك الوقت يشابه دور النشر في وقتنا الحاضر حيث يقومون بنسخ الكتب وتجليدها وبيعها فأنتشرت دكاكين الوراقين وأصبح لهم شهرة واسعة وأصبحت دكاكينهم أشبه بمراكز ثقافية أو الصالونات الأدبية حيث يلتقي بها الأدباء وتعقد جلسات المناظرة والمناقشة
ومن الأسماء الذين يرد لهم ذكر محمد بن إسحاق النديم مؤلف كتاب الفهرست فقد كان وراقا"يبيع الكتب وأيضا" يرد ذكر الشعوبي والأثرم وآخرين .
وتاريخنا ملئ بالشواهد الدالة على ذلك حيث كانت بغداد في ذلك الوقت منارة العلم والمعرفة والترجمة حتى أمتلأت مكتباتها وفاضت بما فيها من العلم والمعرفة وكذلك الحال بالنسبة لدمشق وحلب والكوفة والبصرة والأندلس والقاهرة وقرطبة وكافة بقاع الدولة الإسلامية التي شهدت نهضة علمية ومعرفية ما زالت آثارها شاهدة على ذلك .
يتبع