الحرب العظمى
الجزء الأول
تمهيد :-
هذه الحرب التي غيرت و جه العالم
تسعة ملايين جندي و سبعة ملايين مدني .. جيل ضاع بكامله تغيرت فيه و إلى الأبد أمم و أراض و شعوب
أربع سنوات من الحرب و ملفات الأرشيف تمتلئ بقصص أناس غيرت هذه الحرب حياتهم إلى الأبد
لم تشهر الأسلحة من قبل كما شهرت في هذه الحرب
أول مرة تتجاوز فيها الحرب ساحات المعارك
أول مرة في التاريخ يقذف المدنيين بأمطار القنابل من السماء
إنها الإبادة الجماعية العرقية الأولى في التاريخ
أول مرة تستعمل الأسلحة الكيماوية لإبادة العدو
لم تؤثر أي حرب في التاريخ ولم تجرح أي حرب المجتمع بعمق كما فعلته هذه الحرب
سميت هذه الحرب الحرب العظمى ... لأنها شوهت كل ما كان قبلها و غيمت بظلالها على كل ما جاء بعدها
دراسة ما قبل الحرب :
ألمانيا :
إن كل دراسة و تقصي حول أسباب الحرب يرجع إلى ألمانيا التي كانت دولة عسكرية متقلبة وكان شعبها متحضرا و صناعيا ساعيا لإثبات وجوده بين الأمم
كل هذه الطموحات تمثلت في شخص واحد
إنه القيصر الألماني فيلهلم الثاني الرئيس الفخري الإمبراطوري الألماني و الرمز الحي للغرور الوطني
عندما كان فيلهلم صغيرا كان يجد في إنجلترا مالاذا له من التعب في التدريبات الشاقة التي كان يمارسها خاصه وأنه كان قد تسبب له حادث عند الولادة بأن أصبح شبه أصم وتركه بذراع مشلولة
كان في إنجلترا يلعب مع أبناء عمه الإنجليز بوصفه حفيدا للملكة فكتوريا و كان يرى في منتجعهم في جزيرة وايت عظمة الأسطول الإنجليزي
وبدأت أفكاره تتجسد حول بناء المجد الأسطولي الألماني الذي يريد منه أن يضاهي الأسطول الإنجليزي
أصبح فيلهلم قيصرا لألمانيا عام 1889 وهو في التاسعة والعشرين من عمره وبكل ثقة راح يقول لجنرالاته : " أنتم لا تعرفون شيئا أنا الوحيد الذي يعرف بعض الأشياء أنا الوحيد الذي يقرر "
-ورث القيصر أمة تتقدم نحو السلام
-أبقت السياسة الدبلوماسية للمستشار الألماني
أتو فون بيسمارك ألمانيا بعيدة عن الحرب منذ 1871 بعقده المعاهدات و الإتفاقيات
[
مع إمبراطورية النمسا-هنغاريا الضعيفة وبريطانيا العظمى وباقي دول أوروبا الوسطى من جهه وسعى قبل كل ذلك لتجنب الحرب مع روسيا وفرنسا من جهة أخرى
-بعد وصول القيصر الألماني إلى الحكم إستغل الأدميرالات طموحه الحالم بإنجاز أسطول يوازي قوة الأسطول الإنجليزي
فإتخذوا الإجرائات الازمة لذالك ووضعوه حيز التنفيذ وفي عام 1905 أصبح الأسطول الألماني جاهزا وجعل هذا العمل الحليف المحتمل لبريطانيا العظمى في أوروبا العدو المحتمل .
أحال فيلهلم الثاني بسمارك على التقاعد وخرق جميع الإتفاقيات وأحل التوسع العسكري محل الدبلوماسية جاعلا من جيش ألمانيا القوة الأعظم في أوروبا.
كان الكل يرى في ألمانيا الدولة متغرة المزاج و كان الكل واثقا بأنها تسير بأقصى سرعة إلى الأمام .
فرنسا :
عام 1912 عاد التوتر إلى مناطق البلقان تلك المناطق التي قولبت مصير العالم وكانت الأمور تنذر بإشتعال الحرب في وسط أوروبا
كان جان جوريه زعيم الحزب الإشتراكي في فرنسا ورئيس مكتب الإنترناشيونال الشيوعي في أوروبا يشعر بأن تطور الأحداث في البلقان ينذر بإشتعال حرب شاملة
لذا سعى في توحيد صفوف العمال لنبذ أفكار الحرب المنتشرة في أوروبا ونتيجة لمجهوداته سوط ثلث الفرنسي للإشتراكي
وصف أحد الصحفيين جوريه عندما رأه في سويسرا بقوله : لفت نظري ذلك الرجل وكان قصيرا متخما ومنظره من خلف مثل حمالي الشوارع ورقبته مثل رقبة الثور و سرعان ما لمست فيه قوة الفلاح الذي لا يهتز ولا يرتعد
دعى جوريه القوى العمالية لعقد مؤتمر طارئ لدراسة التداعيات الحاصلة في أوروبا
غُصت الكتدرائية الضخمة في بال في سويسرا بثلاثمئة مندوب من ثلاث وعشرين أمة و على جوريه منبر الوعظ في الكنيسة وراح يلهب مشاعر الحاضرين بشعارات السلام و المحبة و الوئام و نبذ الحروب
قال : إني أتذكر الكلمات التي دونها شيلر في مطلع أغيته الجرس إني أدعو إلى السلام إني أحطم الصواعق ، سأحطم صواعق الحرب التي ترعد في السماء ،
إمتلأت الكتدرائية بأصوات من سينفونية بيتهوفن التاسعه و خرج المندوبون عائدين إلى أوطانهم برسالات السلام و أكد المؤتمر على أن العمال لن يخوضوا غمار حرب لامعنى لها في البلقان
وعاد جوريه إلى فرنسا وهو واثق من أن الحرب لن تقع ولكن بعد عام ثبت له بطلان ما رآه
روسيا :
مثل العالم القيصري في روسيا عالما منيعا ضد التهديدات وهاذا ما أثبته فشل ثورة عام 1905
كان القيصر نيكولاي رومانوف يمثل للطبقة الكادحة في روسيا الأم من عمال وفلاحين الأب الأصغر الذي سيدافع عن مصالحهم ضد طبقة الأغنياء
و البيروقراطيين
لكن بعد إنتشار التعليم و وسائل الإعلام في البلاد و بناء الإتحادات و الأحزاب الإشتراكية بدأت هذه الأفكار تتبدد
كتب أحد الصحفيين تجربة أحد الفلاحين مع القيصر يقول : " منذ زمن و أنا أحلم بأن أجلس أمام القيصر ،، تخيل ..كل عظمة روسيا و جلالتها وقداستها تحيطان به
ثم وبدعوة القدر جلست أمامه
لم يكن ذلك الرجل الذي رسمته في أحلامي لم يكن سوى رجل عادي رجل بسيط له ساقان عاديتان " .
*** كانت الثورة الإشتراكية جارية من شرق أوروبا إلى غربها وكان العمال الألمان الأكثر نضالا و تنظيما في العالم وكان الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني يضم مليون شخص مما كان يدل على قوة كبرى أثرت في مجريات القرار السياسي في ألمانيا
صربيا :
كانت روسيا قد تعهدت لصربيا بالدفاع عن سيادتها عام 1909 مقابل السكوت على إحتلال الروس للبوسنة مما هيئ للروس أسباب التدخل العسكري في الحرب القادمة .
النمسا هنغاريا
في نهايات عام 1913 عاد التوتر بشكل كبير إلى مناطق البلقان وبالأخص في صربيا ..
كانت إمبراطورية النمسا هنغاريا خليطا من الجنسيات وكان الصرب إحدى تلك الجنسيات ففي عام 1908 ضمت الإمبراطورية إليها أراضي سلوفينية ، وكان لهذا دور كبير في تطور الأمور في البلقان حيث حقدت الصرب على النمسا
كان الصرب يرون في إمبراطورية النمسا هنغاريا عدوا لهم وكان البعض يرغب في الإنفصال عنها وظهور وقيام المملكة الصربية ..
كان غفريلو برينسب واحدا منهم ، شاب في الثامنة والعشرين من عمره وعضو في منظمة الكف الأسود السرية .
في الثامن والعشرين من حزيران يونيو عام 1914 قام الأرشيدوق فرانس فرديناند ولي عهد النمسا وزوجته
بزيارة رسمية إلى عاصمة السلاف سرييفو
وأثناء مسيره في سيارته المكشوفة ألقيت عليه قنبلة سرعان ما قذف بها الأرشيدوق من السيارة و إنفجرت وتأثرت زوجته بشظية صغيرة
وبعد وصوله إلى المكان الذي سيلقي به الخطاب و تهديده عمدة سرييفو ألقى خطابه الملئ بشعارات المحبة للصرب .
وعند عودته إلى الفندق قام سائق الأرشيدوق بعد أن تاه في الطريق بعمل إلتفاف خاطئ جعله وجها لوجه مع غفريلو برينسب
أطلق على الأرشيدوق و زوجته النار فأرداهما .
قتل الأرشيدوق و أغضب هذا العمل الإمبراطور فرانس جوزيف العجوز
بإعتباره إهانة للإمبراطورية وهدد و توعد وطالب بتحقيق نمساوي لمعرفة مدى
ضلوع صربيا في هذه العملية وكان رفض الصرب لهذه المطالب الذريعة لإعلان إمبراطورية النمسا هنغاريا الحرب عليهم وتدميرهم
***
لم تكن أي من القوى العظمى ومن بينها النمسا لتتخذ قرارا حاسما بدخول الحرب إلا بعد حصولها على موافقة حلفائها لذا لم تدخل النمسا الحرب حتى تتأكدت من حماية مؤخرتها من الجيش الروسي و ذلك بالذهاب إلى ألمانبا و الحصول منها على ما كان يسمى آن ذاك شيك على بياض ، منحتها ألمانيا آن ذاكهذا الشيك لآنها لم تكن ترضى أن ترى حليفها الوحيد في أوروبا يتعرض للإهانة والتدمير .
****
هذا العمل الذي قامت به ألمانيا مع النمسا هنغاريا أظهر لحيز الوجود نظام الأحلاف ، تحالف واحد بين قوتين عظميين هما ألمانيا والنمسا هنغاريا من جهه
إزاء قوتين عظميين أخريين هما روسيا وفرنسا .
أصبحت الحرب بين النمسا و صربيا تعني حربا بين النمسا و روسيا وكذلك حربا بين روسيا و ألمانيا وحربا بين ألمانيا و فرنسا وبذلك تهيئت خشبة
مسرح الأحداث
أحس جوريه بتسلرع الأحداث في أوروبا وكانت الورقة الأخيرة التي يمكنه أن يستعملها هي المطالبة بإضراب عام للعمال في أوروبا لإقاف الحرب .
جلس هو و أصدقائه في إحدى مقاهي أحد شوارع مونمار ويقول أحد أصدقائه " راح جوريه يحدثنا عن الحرب القادمة وكيف يجب أن تكون الأشياء وكيف يجب أن يكون الرجال وفيما كان جوريه يتكلم أخرج أحد رفاقه من جيبه صورة لإبنته يريها لجوريه ...
-وقاف رجل أمام زجاج المقهى يحدق في جوريه ..
-إنه راوي فيلين الوطني الذي أثارته إمكانية وقوع حرب في أوروبا
أطلق النار على جوريه من مسدسه فأرداه قتيلا .
-إنتشر إعتقاد في أوروبا بأن جوريه قد مات و هذا يعني أن الحرب ستقع .
تم الإعداد للحرب في النمسا منذ الثالث والعشرين من يوليو 1914 ،و في نفس اليوم كانت الحكومة الفرنسية قد وعدت الحكومة الروسية أنها ستنفذ إلتزامات التحالف في حال تدخل ألماني لجانب النمسا ،وفي الثامن والعشرين أعلنت النمسا الحرب على الصرب ،وفي التاسع والعشرين ضُربت بلغراد بالمدفعية ،وفي نفس اليوم أعلنت الحكومة الألمانية للحكومة الروسية أنها ستستجيب للتهديد الموجه لحليفتها النمسا و ستعلن التعبئة العامة ،وفي الثلاثين من يوليو وبعد عناد طويل وقع القيصر نيكولي رومانوف أمر إعلان التعبئة العامة الساعة الرابعة بعد الظهر ،وردت ألمانيا في الحادي والثلاثين بإنذار لم توجهه لروسيا فحسب بل و إلى فرنسا بإعلان حالة خطر الحرب وما يشتمل عليه من الإجرائات الأولية للتعبئة العامة ،وفي الأول من أغسطس أيار أعلنت ألمانيا حالة التعبئة العامة وفي المساء تركت الحكومة الروسية الإنذار الألماني بدون رد بينما ردت الحكومة الفرنسية بأنها ستعمل طبقا لمصالحها ،وفي الثاني من أغسطس أعلنت حالة التعبئة العامة كدليل على تأييد روسيا.
في الرابع من أغسطس تحركت الجيوش الألمانية طبقا لخطة فون شليفن ضد فرنسا فغزو بلجيكا وأعطى إنتهاك حياد بيلجيكا تأييد الرأي العام للحكومة الإنغليزية للتدخل ضد ألمانيا ، لم تكن بريطانيا العظمى ترغب في ترك ألمانيا تسيطر على أوروبا كما أنها لم تكن مرتبطة مع أي من تلك الدول المتصارعة بأي إرتباطات لكنها لم تكن لتؤيد فرنسا وروسيا على حساب حيادها ولكي لا تدفع بعجلة الحرب إلى الأمام أما وقد إندلعت الحرب لذا أعلنت بريطانيا العظمى التعبئة العامة في الرابع من أغسطس إستجابة إلى إنتهاك حياد بيلجيكا التي ضمن لها البريطانيون الحيادية فدخلت بذلك الحرب إلى جانب روسيا وفرنسا .
إحتشدت جموع الناس في عواصم أوروبا لدى سماعها أنباء إندلاع الحرب وراحت الجيوش تنطلق من العواصم في مناظر مهيبة وراحت النسوة يلوحن بمناديلهن لوداع أحبابهن .
إنتاب الفنان الألماني
لودفيد ميدنر شعور بأن إخوانه أبناء برلين أصابهم مس : " كثرت الشياطين المروعة الخارجة من أعماق الأرض وتمركزت في أدمغة البشر..
و بجنونهم حولوا كوارثهم إلى إحتفالات بهيجة " .
**** وقعت الكارثة لملوك القارة العظماء وستسقط بيوتهم فوق رؤسهم .
قياصرة ألمانيا
وقياصرة روسيا
وأباطرة أوروبا
وبصخب أقل من ذلك ستتبدل حياة ملايين الناس العاديين إلى الأبد .
الجزء الأول
تمهيد :-
هذه الحرب التي غيرت و جه العالم
تسعة ملايين جندي و سبعة ملايين مدني .. جيل ضاع بكامله تغيرت فيه و إلى الأبد أمم و أراض و شعوب
أربع سنوات من الحرب و ملفات الأرشيف تمتلئ بقصص أناس غيرت هذه الحرب حياتهم إلى الأبد
لم تشهر الأسلحة من قبل كما شهرت في هذه الحرب
أول مرة تتجاوز فيها الحرب ساحات المعارك
أول مرة في التاريخ يقذف المدنيين بأمطار القنابل من السماء
إنها الإبادة الجماعية العرقية الأولى في التاريخ
أول مرة تستعمل الأسلحة الكيماوية لإبادة العدو
لم تؤثر أي حرب في التاريخ ولم تجرح أي حرب المجتمع بعمق كما فعلته هذه الحرب
سميت هذه الحرب الحرب العظمى ... لأنها شوهت كل ما كان قبلها و غيمت بظلالها على كل ما جاء بعدها
دراسة ما قبل الحرب :
ألمانيا :
إن كل دراسة و تقصي حول أسباب الحرب يرجع إلى ألمانيا التي كانت دولة عسكرية متقلبة وكان شعبها متحضرا و صناعيا ساعيا لإثبات وجوده بين الأمم
كل هذه الطموحات تمثلت في شخص واحد
إنه القيصر الألماني فيلهلم الثاني الرئيس الفخري الإمبراطوري الألماني و الرمز الحي للغرور الوطني
عندما كان فيلهلم صغيرا كان يجد في إنجلترا مالاذا له من التعب في التدريبات الشاقة التي كان يمارسها خاصه وأنه كان قد تسبب له حادث عند الولادة بأن أصبح شبه أصم وتركه بذراع مشلولة
كان في إنجلترا يلعب مع أبناء عمه الإنجليز بوصفه حفيدا للملكة فكتوريا و كان يرى في منتجعهم في جزيرة وايت عظمة الأسطول الإنجليزي
وبدأت أفكاره تتجسد حول بناء المجد الأسطولي الألماني الذي يريد منه أن يضاهي الأسطول الإنجليزي
أصبح فيلهلم قيصرا لألمانيا عام 1889 وهو في التاسعة والعشرين من عمره وبكل ثقة راح يقول لجنرالاته : " أنتم لا تعرفون شيئا أنا الوحيد الذي يعرف بعض الأشياء أنا الوحيد الذي يقرر "
-ورث القيصر أمة تتقدم نحو السلام
-أبقت السياسة الدبلوماسية للمستشار الألماني
أتو فون بيسمارك ألمانيا بعيدة عن الحرب منذ 1871 بعقده المعاهدات و الإتفاقيات
[
مع إمبراطورية النمسا-هنغاريا الضعيفة وبريطانيا العظمى وباقي دول أوروبا الوسطى من جهه وسعى قبل كل ذلك لتجنب الحرب مع روسيا وفرنسا من جهة أخرى
-بعد وصول القيصر الألماني إلى الحكم إستغل الأدميرالات طموحه الحالم بإنجاز أسطول يوازي قوة الأسطول الإنجليزي
فإتخذوا الإجرائات الازمة لذالك ووضعوه حيز التنفيذ وفي عام 1905 أصبح الأسطول الألماني جاهزا وجعل هذا العمل الحليف المحتمل لبريطانيا العظمى في أوروبا العدو المحتمل .
أحال فيلهلم الثاني بسمارك على التقاعد وخرق جميع الإتفاقيات وأحل التوسع العسكري محل الدبلوماسية جاعلا من جيش ألمانيا القوة الأعظم في أوروبا.
كان الكل يرى في ألمانيا الدولة متغرة المزاج و كان الكل واثقا بأنها تسير بأقصى سرعة إلى الأمام .
فرنسا :
عام 1912 عاد التوتر إلى مناطق البلقان تلك المناطق التي قولبت مصير العالم وكانت الأمور تنذر بإشتعال الحرب في وسط أوروبا
كان جان جوريه زعيم الحزب الإشتراكي في فرنسا ورئيس مكتب الإنترناشيونال الشيوعي في أوروبا يشعر بأن تطور الأحداث في البلقان ينذر بإشتعال حرب شاملة
لذا سعى في توحيد صفوف العمال لنبذ أفكار الحرب المنتشرة في أوروبا ونتيجة لمجهوداته سوط ثلث الفرنسي للإشتراكي
وصف أحد الصحفيين جوريه عندما رأه في سويسرا بقوله : لفت نظري ذلك الرجل وكان قصيرا متخما ومنظره من خلف مثل حمالي الشوارع ورقبته مثل رقبة الثور و سرعان ما لمست فيه قوة الفلاح الذي لا يهتز ولا يرتعد
دعى جوريه القوى العمالية لعقد مؤتمر طارئ لدراسة التداعيات الحاصلة في أوروبا
غُصت الكتدرائية الضخمة في بال في سويسرا بثلاثمئة مندوب من ثلاث وعشرين أمة و على جوريه منبر الوعظ في الكنيسة وراح يلهب مشاعر الحاضرين بشعارات السلام و المحبة و الوئام و نبذ الحروب
قال : إني أتذكر الكلمات التي دونها شيلر في مطلع أغيته الجرس إني أدعو إلى السلام إني أحطم الصواعق ، سأحطم صواعق الحرب التي ترعد في السماء ،
إمتلأت الكتدرائية بأصوات من سينفونية بيتهوفن التاسعه و خرج المندوبون عائدين إلى أوطانهم برسالات السلام و أكد المؤتمر على أن العمال لن يخوضوا غمار حرب لامعنى لها في البلقان
وعاد جوريه إلى فرنسا وهو واثق من أن الحرب لن تقع ولكن بعد عام ثبت له بطلان ما رآه
روسيا :
مثل العالم القيصري في روسيا عالما منيعا ضد التهديدات وهاذا ما أثبته فشل ثورة عام 1905
كان القيصر نيكولاي رومانوف يمثل للطبقة الكادحة في روسيا الأم من عمال وفلاحين الأب الأصغر الذي سيدافع عن مصالحهم ضد طبقة الأغنياء
و البيروقراطيين
لكن بعد إنتشار التعليم و وسائل الإعلام في البلاد و بناء الإتحادات و الأحزاب الإشتراكية بدأت هذه الأفكار تتبدد
كتب أحد الصحفيين تجربة أحد الفلاحين مع القيصر يقول : " منذ زمن و أنا أحلم بأن أجلس أمام القيصر ،، تخيل ..كل عظمة روسيا و جلالتها وقداستها تحيطان به
ثم وبدعوة القدر جلست أمامه
لم يكن ذلك الرجل الذي رسمته في أحلامي لم يكن سوى رجل عادي رجل بسيط له ساقان عاديتان " .
*** كانت الثورة الإشتراكية جارية من شرق أوروبا إلى غربها وكان العمال الألمان الأكثر نضالا و تنظيما في العالم وكان الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني يضم مليون شخص مما كان يدل على قوة كبرى أثرت في مجريات القرار السياسي في ألمانيا
صربيا :
كانت روسيا قد تعهدت لصربيا بالدفاع عن سيادتها عام 1909 مقابل السكوت على إحتلال الروس للبوسنة مما هيئ للروس أسباب التدخل العسكري في الحرب القادمة .
النمسا هنغاريا
في نهايات عام 1913 عاد التوتر بشكل كبير إلى مناطق البلقان وبالأخص في صربيا ..
كانت إمبراطورية النمسا هنغاريا خليطا من الجنسيات وكان الصرب إحدى تلك الجنسيات ففي عام 1908 ضمت الإمبراطورية إليها أراضي سلوفينية ، وكان لهذا دور كبير في تطور الأمور في البلقان حيث حقدت الصرب على النمسا
كان الصرب يرون في إمبراطورية النمسا هنغاريا عدوا لهم وكان البعض يرغب في الإنفصال عنها وظهور وقيام المملكة الصربية ..
كان غفريلو برينسب واحدا منهم ، شاب في الثامنة والعشرين من عمره وعضو في منظمة الكف الأسود السرية .
في الثامن والعشرين من حزيران يونيو عام 1914 قام الأرشيدوق فرانس فرديناند ولي عهد النمسا وزوجته
بزيارة رسمية إلى عاصمة السلاف سرييفو
وأثناء مسيره في سيارته المكشوفة ألقيت عليه قنبلة سرعان ما قذف بها الأرشيدوق من السيارة و إنفجرت وتأثرت زوجته بشظية صغيرة
وبعد وصوله إلى المكان الذي سيلقي به الخطاب و تهديده عمدة سرييفو ألقى خطابه الملئ بشعارات المحبة للصرب .
وعند عودته إلى الفندق قام سائق الأرشيدوق بعد أن تاه في الطريق بعمل إلتفاف خاطئ جعله وجها لوجه مع غفريلو برينسب
أطلق على الأرشيدوق و زوجته النار فأرداهما .
قتل الأرشيدوق و أغضب هذا العمل الإمبراطور فرانس جوزيف العجوز
بإعتباره إهانة للإمبراطورية وهدد و توعد وطالب بتحقيق نمساوي لمعرفة مدى
ضلوع صربيا في هذه العملية وكان رفض الصرب لهذه المطالب الذريعة لإعلان إمبراطورية النمسا هنغاريا الحرب عليهم وتدميرهم
***
لم تكن أي من القوى العظمى ومن بينها النمسا لتتخذ قرارا حاسما بدخول الحرب إلا بعد حصولها على موافقة حلفائها لذا لم تدخل النمسا الحرب حتى تتأكدت من حماية مؤخرتها من الجيش الروسي و ذلك بالذهاب إلى ألمانبا و الحصول منها على ما كان يسمى آن ذاك شيك على بياض ، منحتها ألمانيا آن ذاكهذا الشيك لآنها لم تكن ترضى أن ترى حليفها الوحيد في أوروبا يتعرض للإهانة والتدمير .
****
هذا العمل الذي قامت به ألمانيا مع النمسا هنغاريا أظهر لحيز الوجود نظام الأحلاف ، تحالف واحد بين قوتين عظميين هما ألمانيا والنمسا هنغاريا من جهه
إزاء قوتين عظميين أخريين هما روسيا وفرنسا .
أصبحت الحرب بين النمسا و صربيا تعني حربا بين النمسا و روسيا وكذلك حربا بين روسيا و ألمانيا وحربا بين ألمانيا و فرنسا وبذلك تهيئت خشبة
مسرح الأحداث
أحس جوريه بتسلرع الأحداث في أوروبا وكانت الورقة الأخيرة التي يمكنه أن يستعملها هي المطالبة بإضراب عام للعمال في أوروبا لإقاف الحرب .
جلس هو و أصدقائه في إحدى مقاهي أحد شوارع مونمار ويقول أحد أصدقائه " راح جوريه يحدثنا عن الحرب القادمة وكيف يجب أن تكون الأشياء وكيف يجب أن يكون الرجال وفيما كان جوريه يتكلم أخرج أحد رفاقه من جيبه صورة لإبنته يريها لجوريه ...
-وقاف رجل أمام زجاج المقهى يحدق في جوريه ..
-إنه راوي فيلين الوطني الذي أثارته إمكانية وقوع حرب في أوروبا
أطلق النار على جوريه من مسدسه فأرداه قتيلا .
-إنتشر إعتقاد في أوروبا بأن جوريه قد مات و هذا يعني أن الحرب ستقع .
تم الإعداد للحرب في النمسا منذ الثالث والعشرين من يوليو 1914 ،و في نفس اليوم كانت الحكومة الفرنسية قد وعدت الحكومة الروسية أنها ستنفذ إلتزامات التحالف في حال تدخل ألماني لجانب النمسا ،وفي الثامن والعشرين أعلنت النمسا الحرب على الصرب ،وفي التاسع والعشرين ضُربت بلغراد بالمدفعية ،وفي نفس اليوم أعلنت الحكومة الألمانية للحكومة الروسية أنها ستستجيب للتهديد الموجه لحليفتها النمسا و ستعلن التعبئة العامة ،وفي الثلاثين من يوليو وبعد عناد طويل وقع القيصر نيكولي رومانوف أمر إعلان التعبئة العامة الساعة الرابعة بعد الظهر ،وردت ألمانيا في الحادي والثلاثين بإنذار لم توجهه لروسيا فحسب بل و إلى فرنسا بإعلان حالة خطر الحرب وما يشتمل عليه من الإجرائات الأولية للتعبئة العامة ،وفي الأول من أغسطس أيار أعلنت ألمانيا حالة التعبئة العامة وفي المساء تركت الحكومة الروسية الإنذار الألماني بدون رد بينما ردت الحكومة الفرنسية بأنها ستعمل طبقا لمصالحها ،وفي الثاني من أغسطس أعلنت حالة التعبئة العامة كدليل على تأييد روسيا.
في الرابع من أغسطس تحركت الجيوش الألمانية طبقا لخطة فون شليفن ضد فرنسا فغزو بلجيكا وأعطى إنتهاك حياد بيلجيكا تأييد الرأي العام للحكومة الإنغليزية للتدخل ضد ألمانيا ، لم تكن بريطانيا العظمى ترغب في ترك ألمانيا تسيطر على أوروبا كما أنها لم تكن مرتبطة مع أي من تلك الدول المتصارعة بأي إرتباطات لكنها لم تكن لتؤيد فرنسا وروسيا على حساب حيادها ولكي لا تدفع بعجلة الحرب إلى الأمام أما وقد إندلعت الحرب لذا أعلنت بريطانيا العظمى التعبئة العامة في الرابع من أغسطس إستجابة إلى إنتهاك حياد بيلجيكا التي ضمن لها البريطانيون الحيادية فدخلت بذلك الحرب إلى جانب روسيا وفرنسا .
إحتشدت جموع الناس في عواصم أوروبا لدى سماعها أنباء إندلاع الحرب وراحت الجيوش تنطلق من العواصم في مناظر مهيبة وراحت النسوة يلوحن بمناديلهن لوداع أحبابهن .
إنتاب الفنان الألماني
لودفيد ميدنر شعور بأن إخوانه أبناء برلين أصابهم مس : " كثرت الشياطين المروعة الخارجة من أعماق الأرض وتمركزت في أدمغة البشر..
و بجنونهم حولوا كوارثهم إلى إحتفالات بهيجة " .
**** وقعت الكارثة لملوك القارة العظماء وستسقط بيوتهم فوق رؤسهم .
قياصرة ألمانيا
وقياصرة روسيا
وأباطرة أوروبا
وبصخب أقل من ذلك ستتبدل حياة ملايين الناس العاديين إلى الأبد .