Mojahid
مشرف سابق
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك موضوع قمة في الروعة والجمال وهو : " الإعجاز اللغوي للقرآن "
والقرآن لغة العرب الذي غلب به النبي أعدائه به وحاججهم فلم يستطيعوا وهو أهل الفصاحة أن يعيبوا عليه ولو حرفا
فيقولوا : انظروا كيف أخطأ محمد ويصرفوا الناس عنه
ولو تيسر لهم ذلك لكان أهون من أن يبذلوا الدماء في الحروب الكثيرة التي بذلوا فيها دمائهم وأموالهم وقتلوا وسبيت
نساؤهم وأسر أبناؤهم أهذا أسهل أم أن يقولوا أنه هناك خطأ كذا حتى يشك الناس في كتاب ربهم ويصرفوهم عنه
وهناك نقاط جميلة قد يأخذها من لا علم له بالعربية على أنها أخطاء لغوية في القرآن - حاشا وكلا - ولكنها إعجاز
وبلاغة عجز عقله القاصر أن يدركها والطاعن في القرآن إما كافر أو منافق
ولئلا أطيل أحببت أن أوضح بعض الإعجازات اللغوية من حيث القياس فيها وما أتى به القرآن وقول العلماء فيه
سائلا الله عز وجل أن يثيبني عليه إن فعلته لوجهه لا شريك له
فأقول والله الموفق :
أولا : قوله تعالى : " إن هذان لساحران "
القياس : من المعروف نحويا أ إسم إن منصوب وهذان إسم إن فكان القياس أن تأتي : هذين
فيقال : إن هذين لساحران .
الجواب :
واختلف القراء في قوله تعالى : { إِنْ هذان لساحران } فقرأ أبو عمرو بن العلاء : «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال :
إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان» . وقرأ ابن كثير : «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون . وقرأ عاصم في رواية
حفص : «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف
ونون خفيفة . فأما قراءة أبي عمرو ، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة ، أن هذا من غلط
الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى : { والمقيمين الصلاة } في سورة [ النساء : 162 ] . وأما قراءة عاصم ،
فمعناها : ما هذان إِلا ساحران ،
كقوله تعالى : { وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين } [ الشعراء : 186 ] أي : ما نظنك إِلا من الكاذبين ، وأنشدوا في ذلك :
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً ... حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي : ما قتلت إِلا مسلماً . قال الزجاج : ويشهد لهذه القراءة ، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران»
، وروي عنه : «إِن هذان إِلا ساحران» ، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف ، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ
بالنحو من الخليل . فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله : «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه
قال : هي لغة بلحارث بن كعب .
قال ابن الأنباري : هي لغة لبني الحارث بن كعب ، وافقتها لغة قريش . قال الزجاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب
، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ،
يقولون : أتاني الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وأنشدوا :
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ ... مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقول هؤلاء : ضربته بين أُذناه . وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، المعنى : إِنه هذان لساحران . وقالوا
أيضاً : إِن معنى «إِنَّ» : نعم «هذان لساحران» ، وينشدون :
ويَقْلنَ شَيْبٌ قد عَلاَ ... كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ
قال الزجاج : والذي عندي ، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد ، وعلى إِسماعيل بن إِسحاق ابن حماد بن زيد ،
فقبلاه ، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أن «إِنَّ» قد وقعت موقع «نعم» ، والمعنى : نعم هذان لهما
الساحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة . وأستحسن هذه القراءة ، لأنها مذهب أكثر القراء ، وبها يُقرأ .
وأستحسن قراءة عاصم ، والخليل ، لأنهما إِمامان ، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى . ولا أجيز قراءة أبي عمرو
لخلاف المصحف . وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال : «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية
، كما فرقت نون «الذين» بين الواحد والجمع .
الأمر الثاني : قوله تعالى : " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل
من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة "
كان القياس اللغوي أن تكون الآية : والمقيمون الصلاة لأنها معطوفة على الراسخون والقياس أن ترفع مثلها .
الجواب :
فقال بعضهم: ذلك غلط من الكاتب، (2) وإنما هو: لكن الراسخون في العلم منهم والمقيمون الصلاة.
*ذكر من قال ذلك:
10837- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن الزبير قال: قلت لأبان بن عثمان
بن عفان: ما شأنها كتبت:
"لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة"؟ قال: إن الكاتب
لما كتب:"لكن الراسخون في العلم منهم"، حتى إذا بلغ قال: ما أكتب؟ قيل له: اكتب:"والمقيمين الصلاة"، فكتب ما قيلَ
له.
10838- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه سأل عائشة عن قوله: "والمقيمين ا
لصلاة"، وعن قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) [سورة المائدة: 69]، وعن قوله: ( إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ )
[سورة طه: 63]، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكاتب، (1) أخطئوا في الكتاب.
وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: ( والمقيمون الصلاة ).
وقال آخرون، وهو قول بعض نحويي الكوفة والبصرة:"والمقيمون الصلاة"، من صفة"الراسخين في العلم"، ولكن الكلام
لما تطاول، واعترض بين"الراسخين في العلم"،"والمقيمين الصلاة" ما اعترض من الكلام فطال، نصب"المقيمين" على وجه
المدح. قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته، إذا تطاولت بمدح أو ذم، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه
أحيانًا، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله. وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه. وربما أجروا ذلك على نوع
واحد من الإعراب. واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرتها في قوله: (2) ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ) (3) [سورة البقرة: 177].
وقال آخرون: بل"المقيمون الصلاة" من صفة غير"الراسخين في العلم" في هذا الموضع، وإن كان"الراسخون في العلم"
من"المقيمين الصلاة".
وقال قائلو هذه المقالة جميعًا: موضع"المقيمين" في الإعراب، خفض.
فقال بعضهم: موضعه خفض على العطف على"ما" التي في قوله:"يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، ويؤمنون
بالمقيمين الصلاة.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب، أن يكون"المقيمين" في موضع خفض، نسَقًا على"ما"، التي في
قوله:"بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"= وأن يوجه معنى"المقيمين الصلاة"، إلى الملائكة.
فيكون تأويل الكلام:"والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك"، يا محمد، من الكتاب="وبما أنزل من قبلك"، من كتبي،
وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة. ثم يرجع إلى صفة"الراسخين في العلم"، فيقول: لكن الراسخون في العلم منهم
والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر.
وإنما اخترنا هذا على غيره، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ )، وكذلك هو في مصحفه،
فيما ذكروا. فلو كان ذلك خطأ من الكاتب، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف= غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب
الذي أخطأ في كتابه= بخلاف ما هو في مصحفنا. وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبيّ في ذلك، ما يدل على أنّ الذي
في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ. مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنوه الأمة
تعليمًا على وجه الصواب. (1)
وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً، على ما هو به في الخط مرسومًا، أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع
في ذلك للكاتب. (2)
وأما من وجَّه ذلك إلى النصب على وجه المدح لـ"الراسخين في العلم"، = وإن كان ذلك قد يحتمل على بُعدٍ من كلام
العرب، لما قد ذكرت قبل من العلة، (3) وهو أن العرب لا تعدِل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نَعْته إلا بعد تمام
خبره. وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [أولى] به من الفصاحة. (4)
وأما توجيه من وجّه ذلك إلى العطف به على"الهاء" و"الميم" في قوله:"لكن الراسخون في العلم منهم"= أو: إلى العطف
به على"الكاف" من قوله:"بما أنزل إليك"= أو: إلى"الكاف" من قوله:"وما أنزل من قبلك"، فإنه أبعد من الفصاحة من
نصبه على المدح، لما قد ذكرت قبل من قُبْح ردِّ الظاهر على المكنيّ في الخفض.
ثالثا : قوله تعالى : " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى "
الإشكال : كان القياس اللغوي أن تكون الطابئون معطوفة على إسم إن فتكون منصوبة فيقال : " والصابئين "
الجواب :
فالتقدير في والصابئون أي والصائبون كذلك، فحذف الخبر وفصل بين اسم إن بمبتدأ مؤخر تقديراً، وقال
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقياراً بها لغريب
أي إني لغريب وإن قياراً كذلك وقال الله تعالى أن الله بريء من المشركين ورسوله أي رسوله بريء، فحذف الخبر .
تم الكلام والحمد لله
وهذا والله ما استطعت أن أختصره من كلام النحويين
وأدعو الله أن يعيه كل مسلم فالنحو من الصعوبة بمكان
اللهم تقبل صالح العمل
غير منقول للأمانة
هناك موضوع قمة في الروعة والجمال وهو : " الإعجاز اللغوي للقرآن "
والقرآن لغة العرب الذي غلب به النبي أعدائه به وحاججهم فلم يستطيعوا وهو أهل الفصاحة أن يعيبوا عليه ولو حرفا
فيقولوا : انظروا كيف أخطأ محمد ويصرفوا الناس عنه
ولو تيسر لهم ذلك لكان أهون من أن يبذلوا الدماء في الحروب الكثيرة التي بذلوا فيها دمائهم وأموالهم وقتلوا وسبيت
نساؤهم وأسر أبناؤهم أهذا أسهل أم أن يقولوا أنه هناك خطأ كذا حتى يشك الناس في كتاب ربهم ويصرفوهم عنه
وهناك نقاط جميلة قد يأخذها من لا علم له بالعربية على أنها أخطاء لغوية في القرآن - حاشا وكلا - ولكنها إعجاز
وبلاغة عجز عقله القاصر أن يدركها والطاعن في القرآن إما كافر أو منافق
ولئلا أطيل أحببت أن أوضح بعض الإعجازات اللغوية من حيث القياس فيها وما أتى به القرآن وقول العلماء فيه
سائلا الله عز وجل أن يثيبني عليه إن فعلته لوجهه لا شريك له
فأقول والله الموفق :
أولا : قوله تعالى : " إن هذان لساحران "
القياس : من المعروف نحويا أ إسم إن منصوب وهذان إسم إن فكان القياس أن تأتي : هذين
فيقال : إن هذين لساحران .
الجواب :
واختلف القراء في قوله تعالى : { إِنْ هذان لساحران } فقرأ أبو عمرو بن العلاء : «إِنَّ هذين» على إِعمال «إِنَّ» وقال :
إِني لأستحيي من الله أن أقرأ «إِنْ هذان» . وقرأ ابن كثير : «إِنْ» خفيفه «هذانّ» بتشديد النون . وقرأ عاصم في رواية
حفص : «إِنْ» خفيفة «هذان» خفيفة أيضاً . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : «إِنّ» بالتشديد «هاذان» بألف
ونون خفيفة . فأما قراءة أبي عمرو ، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة ، أن هذا من غلط
الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى : { والمقيمين الصلاة } في سورة [ النساء : 162 ] . وأما قراءة عاصم ،
فمعناها : ما هذان إِلا ساحران ،
كقوله تعالى : { وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين } [ الشعراء : 186 ] أي : ما نظنك إِلا من الكاذبين ، وأنشدوا في ذلك :
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً ... حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي : ما قتلت إِلا مسلماً . قال الزجاج : ويشهد لهذه القراءة ، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ «ما هذان إِلا ساحران»
، وروي عنه : «إِن هذان إِلا ساحران» ، ورويت عن الخليل «إِنْ هذان» بالتخفيف ، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ
بالنحو من الخليل . فأما قراءة الأكثرين بتشديد «إِنَّ» وإِثبات الألف في قوله : «هاذان» فروى عطاء عن ابن عباس أنه
قال : هي لغة بلحارث بن كعب .
قال ابن الأنباري : هي لغة لبني الحارث بن كعب ، وافقتها لغة قريش . قال الزجاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب
، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة ، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد ،
يقولون : أتاني الزيدان ، ورأيت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وأنشدوا :
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ ... مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقول هؤلاء : ضربته بين أُذناه . وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة ، المعنى : إِنه هذان لساحران . وقالوا
أيضاً : إِن معنى «إِنَّ» : نعم «هذان لساحران» ، وينشدون :
ويَقْلنَ شَيْبٌ قد عَلاَ ... كَ وقد كَبِرتَ فقلتُ إِنَّهْ
قال الزجاج : والذي عندي ، وكنتُ عرضتُه على عالمنا محمد بن يزيد ، وعلى إِسماعيل بن إِسحاق ابن حماد بن زيد ،
فقبلاه ، وذكرا أنه أجود ما سمعناه في هذا ، وهو أن «إِنَّ» قد وقعت موقع «نعم» ، والمعنى : نعم هذان لهما
الساحران ، ويلي هذا في الجودة مذهب بني كنانة . وأستحسن هذه القراءة ، لأنها مذهب أكثر القراء ، وبها يُقرأ .
وأستحسن قراءة عاصم ، والخليل ، لأنهما إِمامان ، ولأنهما وافقا أُبَيَّ بن كعب في المعنى . ولا أجيز قراءة أبي عمرو
لخلاف المصحف . وحكى ابن الأنباري عن الفراء قال : «ألف» «هذان» هي ألف «هذا» والنون فرَّقتْ بين الواحد والتثنية
، كما فرقت نون «الذين» بين الواحد والجمع .
الأمر الثاني : قوله تعالى : " لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل
من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة "
كان القياس اللغوي أن تكون الآية : والمقيمون الصلاة لأنها معطوفة على الراسخون والقياس أن ترفع مثلها .
الجواب :
فقال بعضهم: ذلك غلط من الكاتب، (2) وإنما هو: لكن الراسخون في العلم منهم والمقيمون الصلاة.
*ذكر من قال ذلك:
10837- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن الزبير قال: قلت لأبان بن عثمان
بن عفان: ما شأنها كتبت:
"لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة"؟ قال: إن الكاتب
لما كتب:"لكن الراسخون في العلم منهم"، حتى إذا بلغ قال: ما أكتب؟ قيل له: اكتب:"والمقيمين الصلاة"، فكتب ما قيلَ
له.
10838- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه سأل عائشة عن قوله: "والمقيمين ا
لصلاة"، وعن قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) [سورة المائدة: 69]، وعن قوله: ( إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ )
[سورة طه: 63]، فقالت: يا ابن أختي، هذا عمل الكاتب، (1) أخطئوا في الكتاب.
وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: ( والمقيمون الصلاة ).
وقال آخرون، وهو قول بعض نحويي الكوفة والبصرة:"والمقيمون الصلاة"، من صفة"الراسخين في العلم"، ولكن الكلام
لما تطاول، واعترض بين"الراسخين في العلم"،"والمقيمين الصلاة" ما اعترض من الكلام فطال، نصب"المقيمين" على وجه
المدح. قالوا: والعرب تفعل ذلك في صفة الشيء الواحد ونعته، إذا تطاولت بمدح أو ذم، خالفوا بين إعراب أوله وأوسطه
أحيانًا، ثم رجعوا بآخره إلى إعراب أوله. وربما أجروا إعراب آخره على إعراب أوسطه. وربما أجروا ذلك على نوع
واحد من الإعراب. واستشهدوا لقولهم ذلك بالآيات التي ذكرتها في قوله: (2) ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ ) (3) [سورة البقرة: 177].
وقال آخرون: بل"المقيمون الصلاة" من صفة غير"الراسخين في العلم" في هذا الموضع، وإن كان"الراسخون في العلم"
من"المقيمين الصلاة".
وقال قائلو هذه المقالة جميعًا: موضع"المقيمين" في الإعراب، خفض.
فقال بعضهم: موضعه خفض على العطف على"ما" التي في قوله:"يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"، ويؤمنون
بالمقيمين الصلاة.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال عندي بالصواب، أن يكون"المقيمين" في موضع خفض، نسَقًا على"ما"، التي في
قوله:"بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك"= وأن يوجه معنى"المقيمين الصلاة"، إلى الملائكة.
فيكون تأويل الكلام:"والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنزل إليك"، يا محمد، من الكتاب="وبما أنزل من قبلك"، من كتبي،
وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة. ثم يرجع إلى صفة"الراسخين في العلم"، فيقول: لكن الراسخون في العلم منهم
والمؤمنون بالكتب والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر.
وإنما اخترنا هذا على غيره، لأنه قد ذكر أن ذلك في قراءة أبيّ بن كعب( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ )، وكذلك هو في مصحفه،
فيما ذكروا. فلو كان ذلك خطأ من الكاتب، لكان الواجب أن يكون في كل المصاحف= غير مصحفنا الذي كتبه لنا الكاتب
الذي أخطأ في كتابه= بخلاف ما هو في مصحفنا. وفي اتفاق مصحفنا ومصحف أبيّ في ذلك، ما يدل على أنّ الذي
في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ. مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنوه الأمة
تعليمًا على وجه الصواب. (1)
وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً، على ما هو به في الخط مرسومًا، أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع
في ذلك للكاتب. (2)
وأما من وجَّه ذلك إلى النصب على وجه المدح لـ"الراسخين في العلم"، = وإن كان ذلك قد يحتمل على بُعدٍ من كلام
العرب، لما قد ذكرت قبل من العلة، (3) وهو أن العرب لا تعدِل عن إعراب الاسم المنعوت بنعت في نَعْته إلا بعد تمام
خبره. وكلام الله جل ثناؤه أفصح الكلام، فغير جائز توجيهه إلا إلى الذي هو [أولى] به من الفصاحة. (4)
وأما توجيه من وجّه ذلك إلى العطف به على"الهاء" و"الميم" في قوله:"لكن الراسخون في العلم منهم"= أو: إلى العطف
به على"الكاف" من قوله:"بما أنزل إليك"= أو: إلى"الكاف" من قوله:"وما أنزل من قبلك"، فإنه أبعد من الفصاحة من
نصبه على المدح، لما قد ذكرت قبل من قُبْح ردِّ الظاهر على المكنيّ في الخفض.
ثالثا : قوله تعالى : " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى "
الإشكال : كان القياس اللغوي أن تكون الطابئون معطوفة على إسم إن فتكون منصوبة فيقال : " والصابئين "
الجواب :
فالتقدير في والصابئون أي والصائبون كذلك، فحذف الخبر وفصل بين اسم إن بمبتدأ مؤخر تقديراً، وقال
ومن يك أمسى بالمدينة رحله ... فإني وقياراً بها لغريب
أي إني لغريب وإن قياراً كذلك وقال الله تعالى أن الله بريء من المشركين ورسوله أي رسوله بريء، فحذف الخبر .
تم الكلام والحمد لله
وهذا والله ما استطعت أن أختصره من كلام النحويين
وأدعو الله أن يعيه كل مسلم فالنحو من الصعوبة بمكان
اللهم تقبل صالح العمل
غير منقول للأمانة
التعديل الأخير: