ميسي برصا
كبار الشخصيات
السلام عليكم
دقّق قواعد تواصلك
وجهك لا يكفي.. تكلّم بلسانك!
البروفيسور جوديث بيرسون
يعرف كل من حضر دورات "التواصل الجماهيري" ما يسمّى بقاعدة (55% و 38% و 7%). تقول هذه القاعدة الشائعة إنّ 55% من مضمون التواصل تؤدّيه لغة الجسد، و38% تؤدّيه نبرة الصوت، ويبقى 7% لتؤدّيه الكلمات. يتقبّل كثيرٌ منّا هذا الكلام كما هو، بل إنني رأيت في الحقيقة كثيراً من ملوك الكلمة المحترفين العاملين في تقديم ضيوف الاحتفالات وتهيئة أجوائها يشيرون إلى هذه القاعدة عندما يريدون تبيين أهمية تلوين وتنويع ملامح الوجه ونبرة الصوت في الخطاب الجماهيري.
هل سألت نفسك يوماً من أين جاءت هذه النسب المئوية؟ ألا ينبغي لك أن تتريّث وتتساءل عن احتمال الخطأ في تفسير أو تطبيق هذه النسب؟ هل ستستغرب إن علمتَ أنّ قاعدة (55 و 38 و7 بالمئة) ليست إلاّ توهّماً شائعاً؟
كيف لا تحمل الكلمة إلاّ 7% من معناها؟!
لا يجادل أحد في أنّ التعابير غير اللفظية وتلوينات نبرة الصوت عناصر جوهرية في الاتصال الفعّال. لكن كيف يمكن القبول منطقياً بتعيين مساهمة الكلمة في توصيل الرسالة بنسبة السبعة بالمئة الضئيلة هذه؟
في تفحّص ومناقشة أصول هذه القاعدة فإننا نبدأ بقراءة ما كتبه الدكتور بوز جونسون مدرّب البرمجة اللغوية العصبية المجاز في عددٍ صادر عام 1994 من مجلة "آنكور بوينت Anchor Point":
"لو كانت هذه النسب صادقةً دقيقةً في التعبير عن الواقع فإنّ ذلك يعني إمكانية اختصار عملية تعلّم اللغات الأجنبية اختصاراً هائلاً! فإن كانت الكلمات لا تحمل إلاّ 7% من مغزى التواصل فإنّ بإمكان أيّ منا إذاً الذهاب إلى أيّ بلدٍ في العالم وسيقدر بمجرّد الإصغاء إلى نبرة الصوت والملاحظة الدقيقة للغة الجسد على تفهّم 93% من الرسائل المعنيّة!"
ونحن أعزّائي القرّاء، فلنسأل أنفسنا: كما واحداً منّا لديه مقدرة التعرّف الدقيق إلى حدّ 93% وتمييز سبب بكاء الطفل الرضيع؟ أو تمييز احتياجات الحيوانات الأليفة التي تعيش في المنزل كأحد أفراد الأسرة؟
عندما يبكي الرضيع فإننا نعرف أنّه غير سعيد، لكن ما الذي يزعجه؟ هل بلّل نفسه أم جاع أم نعس أم ضجر؟..
من دون الكلمات فإنّ جزءاً كبيراً من الرسالة يبقى بعيداً عن أسماعنا وأفهامنا.
الكلمة بحدّ ذاتها تصنع الفرق!
يتعلّم "مقدّمو الاحتفالات toastmasters" العمل بالكلمة. لأنّهم يلمسون بالفعل كيف أنّ كلماتٍ قليلةً جداً مختارةً بعناية هي ما يصنع الفرق بين خطاب عادي لا يكاد يجذب انتباه أحد ولا يبقى في ذاكرة أحد وبين خطابٍ مثيرٍ للانتباه لا يكاد ينجو من أسره وتأثيره أحد. الكلمة الصحيحة يمكنها أن تولّد فينا المشاعر، أن تلامس قيمنا وتحرّك جوارحنا وتدفعنا إلى التصرّف. إنّ اختيار الكلمات اليقظ يمكن أن يعني الفرق بين رأيٍ بناءٍ مضيء وبين نقدٍ جارحٍ محبط.
والآن فلنسأل بأنفسنا: من أين للكلمات هذه الأهمية الكبيرة إن كانت بالفعل لا تؤدّي إلاّ 7% من الرسالة؟
تخيّل لو أن ناثان هيل قال: "لا بأس عندي في الموت من أجل وطني" ولم يقل
"لا يؤسفني شيء إلاّ أن ليس لديّ سوى روحٍ واحدة أقدّمها في سبيل وطني"
(ناثان هيل بطل قومي أمريكي ينسب له التصريح بالكلمة الثورية السابقة تحت مشنقة إعدامه البريطانية )
تخيّل لو أنّ فرانكلين روزفلت قال "لا تخافوا يا رجال" بدلاً من أن يقول "ليس هناك ما يخيفنا إلاّ الخوف نفسه"
تخيّل لو أنّ كينيدي قال "افعل الخير من أجل وطنك" بدلاً من أن يقول "لا تسل ماذا يمكن لوطنك أن يقدّم لك بل ماذا يمكنك أنت أن تقدّم لوطنك"
إنّ الكلمات بذاتها تقدّم الظلال والألوان ودرجات الشدّة والأهمية في الرسالة حتّى دون سماع نبرة الصوت أو مشاهدة لغة الجسد المرافقة للتلفّظ بها.
من أين أتت القاعدة المتوهّمة!
الدراسة الأصلية:
لم نجب بعد على السؤال: من أين أتت هذه القاعدة؟
يعتبر البروفيسور ألبرت ميهرابيان Albert Mehrabian من جامعة كاليفورنيا مصدر قاعدة "55% و38% و7%" وذلك بعد أن قام وفريق بحثه بدراستين في أنماط التواصل ونشرهما في المطبوعات التخصصية عام 1967، وبعد ذلك النشر ناقش ميهرابيان نتائج الدراستين في كتابين صدرا أوائل السبعينات.
انتشر تداول نتائج دراستي ميهرابيان Mehrabian انتشاراً واسعاً في الصحافة وجرى تقديمها تقديماً مختصراً أدّى إلى فهمِ البحث الأصليّ فهماً مغلوطاً وأدّى إلى تعميماتٍ غير دقيقة لنتائج ذلك البحث.
كان الباحث ميهرابيان وزملاؤه يحاولون استكشاف وتقييم المفعول النسبيّ لكلٍ من التعابير الوجهية والكلمات المحكيّة.
في الدراسة الأولى، طلب من مواضيع التجربة الإصغاء إلى تسجيلٍ يردّد صوتِ أنثى تقول كلمةً واحدة (كلمة: ربما) بثلاث نبراتٍ صوتية مختلفة قصد منها التعبير عن معاني: الإعجاب، والحيادية، والكره. وبعد ذلك عرضت عليهم صور وجوه سيدات تقدّم المشاعر الثلاثة ذاتها. وبعدئذٍ طلب من مواضيع التجربة أن يحزروا الشعور الذي يعبّر عنه كلّ تسجيل صوتيّ، وأن يجدوا الصورة التي تعبّر عنه أيضاً. وفي النتيجة رأى الباحثون أنّ الصور كانت تتيح لمواضيع التجربة دقة إجابات أعلى من التسجيلات الصوتية بنسبة ثلاثة إلى اثنين.
وفي الدراسة الثانية أصغى مواضيع التجربة لتسجيلات تسع كلمات: تعبّر ثلاث منها عن الإعجاب (روحي، عزيزي، شكراً) وتحمل ثلاث معنىً حيادياً (ربما، حقاً، أوه) وتعبّر ثلاث عن النفور (إيّاك!، همجي، مريع).
ألقيت الكلمات على الأسماع بنبراتٍ صوتية مختلفة وطلب من مواضيع التجربة أن يحزروا المشاعر المقصودة في كلّ كلمةً منطوقةٍ سمعوها. وفي النتيجة رأى الباحثون أنّ نبرة الصوت كانت تولّد من المعنى أكثر من الكلمات بحدّ ذاتها.
وهكذا ولدت نظرية! جمّع ميهرابيان النتائج الإحصائية في الدراستين وخرج على الناس بقاعدة، أجل حزرت! قاعدة:: 55% و38% و7%
نشر ميهرابيان Mehrabian نتائج بحثه في كتابين: "رسائل صامتة Silent Messages" عام 1971 و "تواصلات غير لفظية Non-verbal Communications" عام 1972. وطرح ميهرابان في هذين الكتابين فكرة أنّه: في حالة الرسائل المتذبذبة inconsistent، أو الرسائل التي تتضارب فيها وسائل التعبير المختلفة لدى المرسل incongruent فإنّ من الأرجح أن تتقدّم لغة الجسد ونبرة الصوت في التعبير عن المشاعر والمعاني على الكلمات ذاتها.
وفي عام 1994 كتب ميهرابيان في مجلة "آنكور بوينت Anchor Point" أنّه لم يقصد أبداً تعميم نتائج بحثه وتطبيقها على الحوارات الطبيعية (وكذلك على الأغلب ليس على الخطابات الجماهيرية). وإنّما أراد أن يساعد قرّاءه على تفهّم وتفادي إشكالات الرسائل ذات العناصر المتقلّبة أو المتضاربة في ناحية توليد انطباعات الإعجاب أو الكره.
وهكذا نرى أعزائي القرّاء كيف أنّ بحث ميهرابيان الذي له فائدة وتطبيق في مجالٍ محدد، قد جرى نفخه وتعميمه بطريقةٍ مشوِهة.
فلنركّز على قنوات الاتصال تركيزاً متساوياً
هناك تعبيرات وجهيّة بألف كلمة وهناك كلمات بألف تعبير!
والآن بتنا نعرف عزيز القارئ أنّ قاعدة "55% و38% و7%" المعمّمة على إطلاقها ليست إلاّ توهّماً. إنّ للكلمات المنطوقة مكوّناتٍ غير ملموسة كثيرةً جداً متوزّعةً لدى المتكلّم والمتلقّي وسياق أو بيئة الكلام ولذلك يصبح من السذاجة في الواقع تعيينُ نسبٍ رقمية دقيقة لتلك المكوّنات. هناك أشياء معينة لا يمكن تقديرها بأرقام محدّدة مثل القيم والمعاني والمشاعر والمواقف والمعتقدات. وبالرغم من العجز عن تقييم هذه العناصر في أرقام فإنّها تبقى المصدر الذي يجعل رسائل التواصل غنية الظلال، نافذة المعاني، محرّكةً للمشاعر، جذابةً محببة الوقع على الأسماع والقلوب.. وإنسانية. لا يمكننا أبداً أن نعيش داخل أفكار إنسانٍ آخر أو أن نستنسخ تجربته بحذافيرها.
في مخاطبة الجماهير، الكلمات ونبرة الصوت ولغة الجسد هي الأدوات الوحيدة المتاحة لنا كي نوصّل ونستقبل مفاهيمنا وتجاربنا ومشاعرنا. دعونا إذاً أعزّائي القرّاء نواصل التركيز تركيزاً متساوياً على كلٍ من وسائل التواصل الثلاثة جميعاً.
تحياتي
وجهك لا يكفي.. تكلّم بلسانك!
البروفيسور جوديث بيرسون
يعرف كل من حضر دورات "التواصل الجماهيري" ما يسمّى بقاعدة (55% و 38% و 7%). تقول هذه القاعدة الشائعة إنّ 55% من مضمون التواصل تؤدّيه لغة الجسد، و38% تؤدّيه نبرة الصوت، ويبقى 7% لتؤدّيه الكلمات. يتقبّل كثيرٌ منّا هذا الكلام كما هو، بل إنني رأيت في الحقيقة كثيراً من ملوك الكلمة المحترفين العاملين في تقديم ضيوف الاحتفالات وتهيئة أجوائها يشيرون إلى هذه القاعدة عندما يريدون تبيين أهمية تلوين وتنويع ملامح الوجه ونبرة الصوت في الخطاب الجماهيري.
هل سألت نفسك يوماً من أين جاءت هذه النسب المئوية؟ ألا ينبغي لك أن تتريّث وتتساءل عن احتمال الخطأ في تفسير أو تطبيق هذه النسب؟ هل ستستغرب إن علمتَ أنّ قاعدة (55 و 38 و7 بالمئة) ليست إلاّ توهّماً شائعاً؟
كيف لا تحمل الكلمة إلاّ 7% من معناها؟!
لا يجادل أحد في أنّ التعابير غير اللفظية وتلوينات نبرة الصوت عناصر جوهرية في الاتصال الفعّال. لكن كيف يمكن القبول منطقياً بتعيين مساهمة الكلمة في توصيل الرسالة بنسبة السبعة بالمئة الضئيلة هذه؟
في تفحّص ومناقشة أصول هذه القاعدة فإننا نبدأ بقراءة ما كتبه الدكتور بوز جونسون مدرّب البرمجة اللغوية العصبية المجاز في عددٍ صادر عام 1994 من مجلة "آنكور بوينت Anchor Point":
"لو كانت هذه النسب صادقةً دقيقةً في التعبير عن الواقع فإنّ ذلك يعني إمكانية اختصار عملية تعلّم اللغات الأجنبية اختصاراً هائلاً! فإن كانت الكلمات لا تحمل إلاّ 7% من مغزى التواصل فإنّ بإمكان أيّ منا إذاً الذهاب إلى أيّ بلدٍ في العالم وسيقدر بمجرّد الإصغاء إلى نبرة الصوت والملاحظة الدقيقة للغة الجسد على تفهّم 93% من الرسائل المعنيّة!"
ونحن أعزّائي القرّاء، فلنسأل أنفسنا: كما واحداً منّا لديه مقدرة التعرّف الدقيق إلى حدّ 93% وتمييز سبب بكاء الطفل الرضيع؟ أو تمييز احتياجات الحيوانات الأليفة التي تعيش في المنزل كأحد أفراد الأسرة؟
عندما يبكي الرضيع فإننا نعرف أنّه غير سعيد، لكن ما الذي يزعجه؟ هل بلّل نفسه أم جاع أم نعس أم ضجر؟..
من دون الكلمات فإنّ جزءاً كبيراً من الرسالة يبقى بعيداً عن أسماعنا وأفهامنا.
الكلمة بحدّ ذاتها تصنع الفرق!
يتعلّم "مقدّمو الاحتفالات toastmasters" العمل بالكلمة. لأنّهم يلمسون بالفعل كيف أنّ كلماتٍ قليلةً جداً مختارةً بعناية هي ما يصنع الفرق بين خطاب عادي لا يكاد يجذب انتباه أحد ولا يبقى في ذاكرة أحد وبين خطابٍ مثيرٍ للانتباه لا يكاد ينجو من أسره وتأثيره أحد. الكلمة الصحيحة يمكنها أن تولّد فينا المشاعر، أن تلامس قيمنا وتحرّك جوارحنا وتدفعنا إلى التصرّف. إنّ اختيار الكلمات اليقظ يمكن أن يعني الفرق بين رأيٍ بناءٍ مضيء وبين نقدٍ جارحٍ محبط.
والآن فلنسأل بأنفسنا: من أين للكلمات هذه الأهمية الكبيرة إن كانت بالفعل لا تؤدّي إلاّ 7% من الرسالة؟
تخيّل لو أن ناثان هيل قال: "لا بأس عندي في الموت من أجل وطني" ولم يقل
"لا يؤسفني شيء إلاّ أن ليس لديّ سوى روحٍ واحدة أقدّمها في سبيل وطني"
(ناثان هيل بطل قومي أمريكي ينسب له التصريح بالكلمة الثورية السابقة تحت مشنقة إعدامه البريطانية )
تخيّل لو أنّ فرانكلين روزفلت قال "لا تخافوا يا رجال" بدلاً من أن يقول "ليس هناك ما يخيفنا إلاّ الخوف نفسه"
تخيّل لو أنّ كينيدي قال "افعل الخير من أجل وطنك" بدلاً من أن يقول "لا تسل ماذا يمكن لوطنك أن يقدّم لك بل ماذا يمكنك أنت أن تقدّم لوطنك"
إنّ الكلمات بذاتها تقدّم الظلال والألوان ودرجات الشدّة والأهمية في الرسالة حتّى دون سماع نبرة الصوت أو مشاهدة لغة الجسد المرافقة للتلفّظ بها.
من أين أتت القاعدة المتوهّمة!
الدراسة الأصلية:
لم نجب بعد على السؤال: من أين أتت هذه القاعدة؟
يعتبر البروفيسور ألبرت ميهرابيان Albert Mehrabian من جامعة كاليفورنيا مصدر قاعدة "55% و38% و7%" وذلك بعد أن قام وفريق بحثه بدراستين في أنماط التواصل ونشرهما في المطبوعات التخصصية عام 1967، وبعد ذلك النشر ناقش ميهرابيان نتائج الدراستين في كتابين صدرا أوائل السبعينات.
انتشر تداول نتائج دراستي ميهرابيان Mehrabian انتشاراً واسعاً في الصحافة وجرى تقديمها تقديماً مختصراً أدّى إلى فهمِ البحث الأصليّ فهماً مغلوطاً وأدّى إلى تعميماتٍ غير دقيقة لنتائج ذلك البحث.
كان الباحث ميهرابيان وزملاؤه يحاولون استكشاف وتقييم المفعول النسبيّ لكلٍ من التعابير الوجهية والكلمات المحكيّة.
في الدراسة الأولى، طلب من مواضيع التجربة الإصغاء إلى تسجيلٍ يردّد صوتِ أنثى تقول كلمةً واحدة (كلمة: ربما) بثلاث نبراتٍ صوتية مختلفة قصد منها التعبير عن معاني: الإعجاب، والحيادية، والكره. وبعد ذلك عرضت عليهم صور وجوه سيدات تقدّم المشاعر الثلاثة ذاتها. وبعدئذٍ طلب من مواضيع التجربة أن يحزروا الشعور الذي يعبّر عنه كلّ تسجيل صوتيّ، وأن يجدوا الصورة التي تعبّر عنه أيضاً. وفي النتيجة رأى الباحثون أنّ الصور كانت تتيح لمواضيع التجربة دقة إجابات أعلى من التسجيلات الصوتية بنسبة ثلاثة إلى اثنين.
وفي الدراسة الثانية أصغى مواضيع التجربة لتسجيلات تسع كلمات: تعبّر ثلاث منها عن الإعجاب (روحي، عزيزي، شكراً) وتحمل ثلاث معنىً حيادياً (ربما، حقاً، أوه) وتعبّر ثلاث عن النفور (إيّاك!، همجي، مريع).
ألقيت الكلمات على الأسماع بنبراتٍ صوتية مختلفة وطلب من مواضيع التجربة أن يحزروا المشاعر المقصودة في كلّ كلمةً منطوقةٍ سمعوها. وفي النتيجة رأى الباحثون أنّ نبرة الصوت كانت تولّد من المعنى أكثر من الكلمات بحدّ ذاتها.
وهكذا ولدت نظرية! جمّع ميهرابيان النتائج الإحصائية في الدراستين وخرج على الناس بقاعدة، أجل حزرت! قاعدة:: 55% و38% و7%
نشر ميهرابيان Mehrabian نتائج بحثه في كتابين: "رسائل صامتة Silent Messages" عام 1971 و "تواصلات غير لفظية Non-verbal Communications" عام 1972. وطرح ميهرابان في هذين الكتابين فكرة أنّه: في حالة الرسائل المتذبذبة inconsistent، أو الرسائل التي تتضارب فيها وسائل التعبير المختلفة لدى المرسل incongruent فإنّ من الأرجح أن تتقدّم لغة الجسد ونبرة الصوت في التعبير عن المشاعر والمعاني على الكلمات ذاتها.
وفي عام 1994 كتب ميهرابيان في مجلة "آنكور بوينت Anchor Point" أنّه لم يقصد أبداً تعميم نتائج بحثه وتطبيقها على الحوارات الطبيعية (وكذلك على الأغلب ليس على الخطابات الجماهيرية). وإنّما أراد أن يساعد قرّاءه على تفهّم وتفادي إشكالات الرسائل ذات العناصر المتقلّبة أو المتضاربة في ناحية توليد انطباعات الإعجاب أو الكره.
وهكذا نرى أعزائي القرّاء كيف أنّ بحث ميهرابيان الذي له فائدة وتطبيق في مجالٍ محدد، قد جرى نفخه وتعميمه بطريقةٍ مشوِهة.
فلنركّز على قنوات الاتصال تركيزاً متساوياً
هناك تعبيرات وجهيّة بألف كلمة وهناك كلمات بألف تعبير!
والآن بتنا نعرف عزيز القارئ أنّ قاعدة "55% و38% و7%" المعمّمة على إطلاقها ليست إلاّ توهّماً. إنّ للكلمات المنطوقة مكوّناتٍ غير ملموسة كثيرةً جداً متوزّعةً لدى المتكلّم والمتلقّي وسياق أو بيئة الكلام ولذلك يصبح من السذاجة في الواقع تعيينُ نسبٍ رقمية دقيقة لتلك المكوّنات. هناك أشياء معينة لا يمكن تقديرها بأرقام محدّدة مثل القيم والمعاني والمشاعر والمواقف والمعتقدات. وبالرغم من العجز عن تقييم هذه العناصر في أرقام فإنّها تبقى المصدر الذي يجعل رسائل التواصل غنية الظلال، نافذة المعاني، محرّكةً للمشاعر، جذابةً محببة الوقع على الأسماع والقلوب.. وإنسانية. لا يمكننا أبداً أن نعيش داخل أفكار إنسانٍ آخر أو أن نستنسخ تجربته بحذافيرها.
في مخاطبة الجماهير، الكلمات ونبرة الصوت ولغة الجسد هي الأدوات الوحيدة المتاحة لنا كي نوصّل ونستقبل مفاهيمنا وتجاربنا ومشاعرنا. دعونا إذاً أعزّائي القرّاء نواصل التركيز تركيزاً متساوياً على كلٍ من وسائل التواصل الثلاثة جميعاً.
تحياتي