شيخنا محمد الغزالي رحمه الله وصفحات من حياته
د. طه جابر العلواني
حين يذكر الشيخ محمد الغزالي تتبادر إلى الأذهان جملة خصال قلَّ أن تتوافر كلها أو تجتمع بجملتها في عَالِم معاصر، ومن هذه الخصال الحميدة:
1- الاجتهاد القائم على سعة الإسلام ومرونته ومقاصد شريعته وكليات مصادره، وغاياته العليا.
2- السماحة والاعتدال الّلذان ينبّهان بوضوح إلى الفهم الدقيق لـ "وسطية الإسلام"، والإدراك العميق لقيمه العليا (التوحيد والعمران والتزكية)، والفقه المستفيض في معيار الإسلام الأساس (العدل) الذي منه انبثق "الاعتدال"، واشتقّت "الوسطية".
3- الغيرة الصادقة على "الأمة القطب" التي انتمى إليها بعقله وقلبه ووجدانه فضلاً عن دمه وجسده، غيرةً على دينها وأرضها وعرضها وأبنائها وماضيها وتاريخها ومستقبلها ووحدتها.
4- القدرة النقدية، والطاقة العقلية، والمعرفة المتنوعة الواسعة، والذكاء الخارق اللمّاح، والطاقة المتجددة المتطلعة –على الدوام- إلى معرفة الجديد والمزيد ف يكل ما من شأنه أن يخدم هذه الأمة وقضاياها المتشعبة.
5- الحب والوفاء لربه ولنبه ودينه وأمته ورفاقه وتلامذته، يساعده على ذلك قلب كبير نقي من الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهية، خالص للإيمان والحب والوفاء.
ذلك إلى خصال أخرى كثيرة تحدَّث عنها المتحدثون من محبيه وتلامذته وعارفي فضله قبل أن يرحل عن دنيانا وبعد ذلك.
ولا أود أن أعيد شيئاً مما قالوه، ولكنني أود أن أفتح صفحات معدودة من حياته الحافلة، لأنّ فيها من الدروس والعبر ما هو جدير بالإذاعة والإشاعة.
العودة إلى مصر
وحي لاحظ بعض المهتمين ما كان يجري في مصر وفي العالم العربي من اضطراب فكري مع فقدان المرجعية الرشيدة، والفراغ الكبير، كان الشيخ الغزالي في مقدمة الأسماء القليلة التي تحضر إلى الذهن لشغل ذلك الفراغ وملء موقع المرجعية. وكنا نرى أن ذلك يمكن أن يتم بعودة الشيخ إلى مصرن، وتبوئه موقعاً ملائماً يتيح له ملء هذا الفراغ.
كان بغض محبي الشيخ وتلامذته يرون أن لا يعود الشيخ من الجزائر إلى مصر إلا شيخاً للأزهر أو مرشداً عاماً للإخوان المسلمين. فمنصب شيخ الأزهر خاصة بثقله التاريخي، وسمعته الدينية حين يحتله شخص بوزن الشيخ الغزالي ومستوى حضوره ستعود إليه مكانته في الداخل وفي الخارج، وسيتمكن من استقطاب البقية الباقية من العلماء ليعطي للأزهر من جديد آفاقه العالمية، ووظيفته القيادية. وصفات الشيخ ومناقبه الشخصية، وقدراته الخطابية والكتابية وسمعته وصيته، كل ذلك سيكون رصيداً فعالاً في تحقيق هذا الهدف، وفي تحريك كثير من المؤسسات الإسلامية الأخرى التي قد يسهم تحريكها في إعادة مصر لممارسة أثر إسلامي مهم في الداخل وفي الخارج؛ وقد يقضي ذلك على الكثير من أسباب التأزم بين الإسلاميين والنظام داخل مصر.
وحين بدأ بعضهم مساعيهم الحميدة لإقناع القيادة السياسية بهذه الفكرة تضافرت عدة تيارات متذرعة بأسباب عديدة لإحباط هذه المحاولة: منها أن تاريخ لشيخ الحافل بالكفاح على جبهات عديدة أوجد كثيراً من المخاوف من أن الشيخ قد يحرك كل هذه المؤسسات إلى ألفت أن يكون على قمة الهرم فيها رجال لا تتجاوز اهتماماتهم الدائرة العلمية المتخصصة بكثير. أما الشيخ الغزالي فمن المتعذر لشخص مثله أن يحصر اهتماماته بهذه الدائرة، فطبيعة الداعية فيه والهموم التي يحملها، وتتبعه لقضايا الإسلام والمسلمين في سائر بقاع الأرض، كل ذلك سيتغلب على طبيعة المنصب، فهو من تلامذة الحركة الإصلاحية الذين لم يكونوا يعرفون الفواصل بين الشأن الدعوي والشأن السياسي والاجتماعي، فكل هموم الأمة همومهم، وكل ثغورها يجب أن تجد من يقف عليها.
ولم ينس له بعض المعارضين لتسلمه المشيخة آنذاك ملاحظاته حول الدستور المصري، فقد كان من أبرز أسباب خلافه مع نظام يوليو في مراحله الأولى تعطيل دستور 1923م؛ فهو لم يقتنع بما اقتنع به بعض قادة الإخوان آنذاك، من أن تعطيل الدستور قد تم لأن رجال الثورة يريدون وضع دستور يجسد المبادئ والقيم الإسلامية ويسهم الإخوان أنفسهم في صياغته. حتى بعد أن تم تشكيل لجنة الخمسين عضواً لوضع الدستور الجديد لم تهدأ مخاوف الشيخ، وأشار إلى خطورة أن تبقى البلاد بدون دستور ولو ليوم واحد، ودافع عن كثير من مواد ذلك الدستور المعطل، كما اعترض بعد ذلك على ما أُدخل على الدستور من تعديلات في عهد رئيس مصر الراحل أنور السادات. ولم يتردد الشيخ في إبداء اعتراضه المعلن وموقفه المعارض لزيارة الرئيس السادات إلى القدس، ولم يخف نقده لقانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عهده.
للمتابعة
http://eiiit.org/article_read.asp?articleID=349&catID=261&adad=269
د. طه جابر العلواني
حين يذكر الشيخ محمد الغزالي تتبادر إلى الأذهان جملة خصال قلَّ أن تتوافر كلها أو تجتمع بجملتها في عَالِم معاصر، ومن هذه الخصال الحميدة:
1- الاجتهاد القائم على سعة الإسلام ومرونته ومقاصد شريعته وكليات مصادره، وغاياته العليا.
2- السماحة والاعتدال الّلذان ينبّهان بوضوح إلى الفهم الدقيق لـ "وسطية الإسلام"، والإدراك العميق لقيمه العليا (التوحيد والعمران والتزكية)، والفقه المستفيض في معيار الإسلام الأساس (العدل) الذي منه انبثق "الاعتدال"، واشتقّت "الوسطية".
3- الغيرة الصادقة على "الأمة القطب" التي انتمى إليها بعقله وقلبه ووجدانه فضلاً عن دمه وجسده، غيرةً على دينها وأرضها وعرضها وأبنائها وماضيها وتاريخها ومستقبلها ووحدتها.
4- القدرة النقدية، والطاقة العقلية، والمعرفة المتنوعة الواسعة، والذكاء الخارق اللمّاح، والطاقة المتجددة المتطلعة –على الدوام- إلى معرفة الجديد والمزيد ف يكل ما من شأنه أن يخدم هذه الأمة وقضاياها المتشعبة.
5- الحب والوفاء لربه ولنبه ودينه وأمته ورفاقه وتلامذته، يساعده على ذلك قلب كبير نقي من الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهية، خالص للإيمان والحب والوفاء.
ذلك إلى خصال أخرى كثيرة تحدَّث عنها المتحدثون من محبيه وتلامذته وعارفي فضله قبل أن يرحل عن دنيانا وبعد ذلك.
ولا أود أن أعيد شيئاً مما قالوه، ولكنني أود أن أفتح صفحات معدودة من حياته الحافلة، لأنّ فيها من الدروس والعبر ما هو جدير بالإذاعة والإشاعة.
العودة إلى مصر
وحي لاحظ بعض المهتمين ما كان يجري في مصر وفي العالم العربي من اضطراب فكري مع فقدان المرجعية الرشيدة، والفراغ الكبير، كان الشيخ الغزالي في مقدمة الأسماء القليلة التي تحضر إلى الذهن لشغل ذلك الفراغ وملء موقع المرجعية. وكنا نرى أن ذلك يمكن أن يتم بعودة الشيخ إلى مصرن، وتبوئه موقعاً ملائماً يتيح له ملء هذا الفراغ.
كان بغض محبي الشيخ وتلامذته يرون أن لا يعود الشيخ من الجزائر إلى مصر إلا شيخاً للأزهر أو مرشداً عاماً للإخوان المسلمين. فمنصب شيخ الأزهر خاصة بثقله التاريخي، وسمعته الدينية حين يحتله شخص بوزن الشيخ الغزالي ومستوى حضوره ستعود إليه مكانته في الداخل وفي الخارج، وسيتمكن من استقطاب البقية الباقية من العلماء ليعطي للأزهر من جديد آفاقه العالمية، ووظيفته القيادية. وصفات الشيخ ومناقبه الشخصية، وقدراته الخطابية والكتابية وسمعته وصيته، كل ذلك سيكون رصيداً فعالاً في تحقيق هذا الهدف، وفي تحريك كثير من المؤسسات الإسلامية الأخرى التي قد يسهم تحريكها في إعادة مصر لممارسة أثر إسلامي مهم في الداخل وفي الخارج؛ وقد يقضي ذلك على الكثير من أسباب التأزم بين الإسلاميين والنظام داخل مصر.
وحين بدأ بعضهم مساعيهم الحميدة لإقناع القيادة السياسية بهذه الفكرة تضافرت عدة تيارات متذرعة بأسباب عديدة لإحباط هذه المحاولة: منها أن تاريخ لشيخ الحافل بالكفاح على جبهات عديدة أوجد كثيراً من المخاوف من أن الشيخ قد يحرك كل هذه المؤسسات إلى ألفت أن يكون على قمة الهرم فيها رجال لا تتجاوز اهتماماتهم الدائرة العلمية المتخصصة بكثير. أما الشيخ الغزالي فمن المتعذر لشخص مثله أن يحصر اهتماماته بهذه الدائرة، فطبيعة الداعية فيه والهموم التي يحملها، وتتبعه لقضايا الإسلام والمسلمين في سائر بقاع الأرض، كل ذلك سيتغلب على طبيعة المنصب، فهو من تلامذة الحركة الإصلاحية الذين لم يكونوا يعرفون الفواصل بين الشأن الدعوي والشأن السياسي والاجتماعي، فكل هموم الأمة همومهم، وكل ثغورها يجب أن تجد من يقف عليها.
ولم ينس له بعض المعارضين لتسلمه المشيخة آنذاك ملاحظاته حول الدستور المصري، فقد كان من أبرز أسباب خلافه مع نظام يوليو في مراحله الأولى تعطيل دستور 1923م؛ فهو لم يقتنع بما اقتنع به بعض قادة الإخوان آنذاك، من أن تعطيل الدستور قد تم لأن رجال الثورة يريدون وضع دستور يجسد المبادئ والقيم الإسلامية ويسهم الإخوان أنفسهم في صياغته. حتى بعد أن تم تشكيل لجنة الخمسين عضواً لوضع الدستور الجديد لم تهدأ مخاوف الشيخ، وأشار إلى خطورة أن تبقى البلاد بدون دستور ولو ليوم واحد، ودافع عن كثير من مواد ذلك الدستور المعطل، كما اعترض بعد ذلك على ما أُدخل على الدستور من تعديلات في عهد رئيس مصر الراحل أنور السادات. ولم يتردد الشيخ في إبداء اعتراضه المعلن وموقفه المعارض لزيارة الرئيس السادات إلى القدس، ولم يخف نقده لقانون الأحوال الشخصية الذي صدر في عهده.
للمتابعة
http://eiiit.org/article_read.asp?articleID=349&catID=261&adad=269