تعد مدينة "القاهرة" من أكثر المدن الإسلامية التي استأثرت بالكتابة والتأريخ؛ نظرًا لأنّ عمر "القاهرة" يزيد على الألف عام بكثير؛ فشواهد التاريخ تؤكد أن مكان هذه المدينة كان عاصمة لمصر في أغلب فترات تاريخها؛ ففي تاريخ مصر الممتد عبر حوالي 50 قرنًا كانت القاهرة بمعناها الواسع هي عاصمة مصر؛ إذ يرجع البعض اتخاذ "القاهرة" عاصمة إلى سنة 98 ميلادية عندما بُنيَ حصن "بابليون" الذي ما تزال بقاياه موجودة حتى الآن؛ حيث أُقيم هذا الحصن للدفاع عن الوجهين القبلي والبحري، وعندما جاء "عمرو بن العاص" لفتح مصر أقام عاصمته الإسلامية الجديدة "الفسطاط" بالقرب من ذلك الحصن، والتي كانت تعرف بمدينة مصر، والمعروف أن نشأة "الفسطاط" كان على غرار المدن التي ينشئها سكان البادية، فكانت أشبه بالحضر البدوي وكانت تشبه إلى حد كبير تخطيط "المدينة المنورة"؛ حيث حدد مخططوها -الذين لم يكن بينهم مهندس- مواقع لكل قبيلة من تلك القبائل التي شاركت في الفتح واستوطنت مصر بذراريها، والذين عرفوا فيما بعد بأهل مصر.
وكان تنسيق "الفسطاط" يقوم على إعطاء كل قبيلة قطعة من الأرض تقيم فيها مساكنها، ويفصل بينها وبين غيرها مساحة من الأرض الفضاء، التي طواها فيما بعد التوسع العمراني الذي زحف على هذه الفراغات، ويُلاحَظ أنّ العرب المسلمين الفاتحين تركوا مساحة بينهم وبين النهر كانت تسرح فيها دوابهم؛ كانت تسمى "المراغة" وهو ما يكشف عن وعيٍّ حضاريٍّ لدى المسلمين الأوائل في عدم البناء على حواف الأنهار والشواطئ، حتى لا يحرموا غيرهم من الهواء النقي وحتى لا يحرموا أنفسهم ودوابهم من المساحات الخضراء، التي تعد سلة الطعام للمدن في ذلك الوقت لصعوبة المواصلات وغياب الأمن في بعض المناطق، يقول مؤرخ مصر الكبير "ابن عبد الحكم": "وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر (النيل) والحصن (بابليون) فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها"، وظلت "الفسطاط" قائمة مزدهرة على اختلاف درجات هذا الازدهار، حتى أحرقها الوزير الفاطمي "شاور" عند قدوم حملة "أموري" الصليبية.
ثم تطورت هذه العاصمة بإنشاء "مدينة العسكر"، التي يعد موقعها الحالي منطقة "زينهم" التي أقامها "صالح بن علي" أول والٍ للعباسيين في مصر سنة (133هـ=750م)، وكانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل هذا السبب الذي جعل الناس يطلقون عليها "العسكر"، واستمر ذلك الحال حتى جاء "السُّرِّي بن الحكم" واليًا على مصر عام (201هـ=816م)، فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.
ثم نشأت "القطائع" التي ابتناها "أحمد بن طولون" سنة (256هـ=869م) -مؤسس "الدولة الطولونية" التي استمرت 38 عامًا- وسُمِّيت بهذا الاسم لأنّ "ابن طولون" قطع الأراضي فيها ومنح كل قطيعة (وهي تشبه الشارع أو الحارة في عصرنا الحالي) إلى طائفة من القوم، فكانت هناك "قطيعة النوبة" و"الروم" وغيرهما، وازدهرت "القطائع" في عهد "ابن طولون" وابنه "خمارويه"، وأقام فيها "ابن طولون" جامعه الشهير (الذي ما زال قائمًا حتى الآن، ثم تعرضت المدينة للتخريب بعد هزيمة "الطولونيين" أمام العباسيين عند "تنيس" سنة (292هـ=904م)، وذكر بعض المؤرخين أنه أُحرق بها حوالي مائة ألف بيت، يقول "المقريزي": "إن القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف".
القاهرة في عصور مختلفة
و"القاهرة" هي المدينة التي أنشأها القائد الفاطمي "جوهر الصقلي" سنة (358هـ=969م)، شمالي مدينة "الفسطاط" وبناها في ثلاث سنوات، وأطلق عليها اسم "المنصورية" ثم جاء الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" وجعلها عاصمة لدولته، وسماها "القاهرة"، وكانت مساحتها على حوالي 340 فدانًا، وعندما انتهت "الدولة الفاطمية" على يد "صلاح الدين الأيوبي" سنة (567هـ=1171م)، وأقام مكانها "الدولة الأيوبية" -التي استمرت 82 عامًا حتى عام (648هـ=1250م)- حدث تطور كبير في "القاهرة"، فبعد أن كانت المدينة ملكيّة خاصّة للخلفاء أباحها "صلاح الدين" للخاصّة والعامّة، وأنشأ فيها عمارات جديدة فزادت اتساعًا، ولعل أهمّ ما أنشأه كان "قلعة الجبل" لتكون حصنًا له يعتصم به من أعدائه الداخليين والخارجيين، وقد وكّل عمارتها إلى "بهاء الدين قراقوش"، كما بنى سورًا جديدًا للقاهرة سنة (572هـ=1176م)، وبنى قناطر الجيزة؛ غير أنّه تُوفِّيَ قبل أن يُكمل بعض هذه المباني الضخمة، وقد استخدم "قراقوش" الصليبين في بناء القلعة والسور، وأول خريطة يعتد بها للقلعة جاءت مع "الحملة الفرنسية" أي بعد بناء القلعة بحوالي ستمائة عام.
أما "الدولة المملوكية" التي بدأت سنة (648هـ=1250م) فقد شهدت اتساعًا في "القاهرة" فأنشأت عددًا من الآثار ما تزال قائمة حتى الآن، وأنشأت بعض المناطق الجديدة مثل ما يسمّى حاليًّا "باب اللوق" التي سكنها عدد من فرسان التتر الذين أسلموا، وبنت عددًا من المساجد والأسبلة، إلا أنّ عهد السلطان "محمد بن قلاوون" كان الأبرز في العمارة المملوكية.
أما "القاهرة" في "الدولة العثمانية" التي بدأت في مصر بعد هزيمة المماليك في معركة "الريدانية" سنة (923هـ=1517م)، فقد بدأت تشهد عصرًا جديدًا، كذلك "الحملة الفرنسية" على مصر سنة (1213هـ=1798م) التي استمرت ثلاث سنوات، والتي رسمت خرائط مهمّة للقاهرة، إضافة إلى عدد كبير من الرسوم التي تصوّر الحياة في تلك المدينة، والتي ضمّها كتاب "وصف مصر" .
وتأتي "القاهرة" في عصر "أسرة محمد علي" لتشكّل ملمحًا جديًا ما زال كثير من آثاره باقية حتى الآن، والذي بدأ من سنة (1220هـ=1805م) حتى قيام حركة يوليو 1952م؛ حيث بلغت درجة كبيرة في الاتساع في عهد الخديوي "إسماعيل" ووصلت مساحتها إلى ألف فدان كما يذكر "علي مبارك" في خططه؛ حيث أضيف إلى المدينة حي "الإسماعيلية" (التحرير حاليًّا)، وفي سنة (1265هـ=1849) بدأت المدينة تشهد بعض مشاريع البنية الأساسية، مثل مشروع توزيع المياه باستعمال المواسير وتوزيعها داخل البلد، وبعض مشاريع الإضاءة، ويعدّ "محمّد علي باشا" أوّل من أدخل العمارة الغربية إلى "القاهرة"، فأحضر بعض المهندسين الغربيين وبنوا له "سراي القلعة" و"سراي شبرا" و"سراي الأزبكية"، ثم بنى ابنه "إبراهيم باشا" "قصر القبة"، وفي عهد "الخديوي إسماعيل" أنشئ "كوبري قصر النيل"، وأنشئت "حديقة الحيوان" على مساحة 30 فدانًا، وعدد من السرايات منها "سراي عابدين"، كما رُصفت بعض الطرق ومُدّت خطوط السكك الحديدية والهاتف وأنشئت المدارس الحديثة.
أما "القاهرة" في عهد الثورة وما جاء بعدها حتى الآن فقد شهدت تطورات كبيرة، فزادت مساحتها بدرجة كبيرة وأضيفت إليها أحياء ومدن جديدة تزيد مساحة بعض هذه المدن عن 400 كيلومتر، مثل مدينة السادس من أكتوبر، كما شهدت زيادة كبيرة في عدد الكباري، واتساع مشروع مترو الأنفاق، وازداد عدد سكانها.. وما زال التاريخ يسجل أحداث القاهرة في الزمان والمكان.
وكان تنسيق "الفسطاط" يقوم على إعطاء كل قبيلة قطعة من الأرض تقيم فيها مساكنها، ويفصل بينها وبين غيرها مساحة من الأرض الفضاء، التي طواها فيما بعد التوسع العمراني الذي زحف على هذه الفراغات، ويُلاحَظ أنّ العرب المسلمين الفاتحين تركوا مساحة بينهم وبين النهر كانت تسرح فيها دوابهم؛ كانت تسمى "المراغة" وهو ما يكشف عن وعيٍّ حضاريٍّ لدى المسلمين الأوائل في عدم البناء على حواف الأنهار والشواطئ، حتى لا يحرموا غيرهم من الهواء النقي وحتى لا يحرموا أنفسهم ودوابهم من المساحات الخضراء، التي تعد سلة الطعام للمدن في ذلك الوقت لصعوبة المواصلات وغياب الأمن في بعض المناطق، يقول مؤرخ مصر الكبير "ابن عبد الحكم": "وقد كان المسلمون حين اختطوا تركوا بينهم وبين البحر (النيل) والحصن (بابليون) فضاء لتفريق دوابهم وتأديبها"، وظلت "الفسطاط" قائمة مزدهرة على اختلاف درجات هذا الازدهار، حتى أحرقها الوزير الفاطمي "شاور" عند قدوم حملة "أموري" الصليبية.
ثم تطورت هذه العاصمة بإنشاء "مدينة العسكر"، التي يعد موقعها الحالي منطقة "زينهم" التي أقامها "صالح بن علي" أول والٍ للعباسيين في مصر سنة (133هـ=750م)، وكانت في البداية مقصورة على الجنود العباسيين، ولعل هذا السبب الذي جعل الناس يطلقون عليها "العسكر"، واستمر ذلك الحال حتى جاء "السُّرِّي بن الحكم" واليًا على مصر عام (201هـ=816م)، فأذن للناس بالبناء فتهافت الناس على البناء بالقرب من مقر الحكم ونمت المدينة حتى اتصلت بالفسطاط.
ثم نشأت "القطائع" التي ابتناها "أحمد بن طولون" سنة (256هـ=869م) -مؤسس "الدولة الطولونية" التي استمرت 38 عامًا- وسُمِّيت بهذا الاسم لأنّ "ابن طولون" قطع الأراضي فيها ومنح كل قطيعة (وهي تشبه الشارع أو الحارة في عصرنا الحالي) إلى طائفة من القوم، فكانت هناك "قطيعة النوبة" و"الروم" وغيرهما، وازدهرت "القطائع" في عهد "ابن طولون" وابنه "خمارويه"، وأقام فيها "ابن طولون" جامعه الشهير (الذي ما زال قائمًا حتى الآن، ثم تعرضت المدينة للتخريب بعد هزيمة "الطولونيين" أمام العباسيين عند "تنيس" سنة (292هـ=904م)، وذكر بعض المؤرخين أنه أُحرق بها حوالي مائة ألف بيت، يقول "المقريزي": "إن القطائع قد زالت آثارها ولم يبق لها رسم يعرف".
القاهرة في عصور مختلفة
و"القاهرة" هي المدينة التي أنشأها القائد الفاطمي "جوهر الصقلي" سنة (358هـ=969م)، شمالي مدينة "الفسطاط" وبناها في ثلاث سنوات، وأطلق عليها اسم "المنصورية" ثم جاء الخليفة "المعز لدين الله الفاطمي" وجعلها عاصمة لدولته، وسماها "القاهرة"، وكانت مساحتها على حوالي 340 فدانًا، وعندما انتهت "الدولة الفاطمية" على يد "صلاح الدين الأيوبي" سنة (567هـ=1171م)، وأقام مكانها "الدولة الأيوبية" -التي استمرت 82 عامًا حتى عام (648هـ=1250م)- حدث تطور كبير في "القاهرة"، فبعد أن كانت المدينة ملكيّة خاصّة للخلفاء أباحها "صلاح الدين" للخاصّة والعامّة، وأنشأ فيها عمارات جديدة فزادت اتساعًا، ولعل أهمّ ما أنشأه كان "قلعة الجبل" لتكون حصنًا له يعتصم به من أعدائه الداخليين والخارجيين، وقد وكّل عمارتها إلى "بهاء الدين قراقوش"، كما بنى سورًا جديدًا للقاهرة سنة (572هـ=1176م)، وبنى قناطر الجيزة؛ غير أنّه تُوفِّيَ قبل أن يُكمل بعض هذه المباني الضخمة، وقد استخدم "قراقوش" الصليبين في بناء القلعة والسور، وأول خريطة يعتد بها للقلعة جاءت مع "الحملة الفرنسية" أي بعد بناء القلعة بحوالي ستمائة عام.
أما "الدولة المملوكية" التي بدأت سنة (648هـ=1250م) فقد شهدت اتساعًا في "القاهرة" فأنشأت عددًا من الآثار ما تزال قائمة حتى الآن، وأنشأت بعض المناطق الجديدة مثل ما يسمّى حاليًّا "باب اللوق" التي سكنها عدد من فرسان التتر الذين أسلموا، وبنت عددًا من المساجد والأسبلة، إلا أنّ عهد السلطان "محمد بن قلاوون" كان الأبرز في العمارة المملوكية.
أما "القاهرة" في "الدولة العثمانية" التي بدأت في مصر بعد هزيمة المماليك في معركة "الريدانية" سنة (923هـ=1517م)، فقد بدأت تشهد عصرًا جديدًا، كذلك "الحملة الفرنسية" على مصر سنة (1213هـ=1798م) التي استمرت ثلاث سنوات، والتي رسمت خرائط مهمّة للقاهرة، إضافة إلى عدد كبير من الرسوم التي تصوّر الحياة في تلك المدينة، والتي ضمّها كتاب "وصف مصر" .
وتأتي "القاهرة" في عصر "أسرة محمد علي" لتشكّل ملمحًا جديًا ما زال كثير من آثاره باقية حتى الآن، والذي بدأ من سنة (1220هـ=1805م) حتى قيام حركة يوليو 1952م؛ حيث بلغت درجة كبيرة في الاتساع في عهد الخديوي "إسماعيل" ووصلت مساحتها إلى ألف فدان كما يذكر "علي مبارك" في خططه؛ حيث أضيف إلى المدينة حي "الإسماعيلية" (التحرير حاليًّا)، وفي سنة (1265هـ=1849) بدأت المدينة تشهد بعض مشاريع البنية الأساسية، مثل مشروع توزيع المياه باستعمال المواسير وتوزيعها داخل البلد، وبعض مشاريع الإضاءة، ويعدّ "محمّد علي باشا" أوّل من أدخل العمارة الغربية إلى "القاهرة"، فأحضر بعض المهندسين الغربيين وبنوا له "سراي القلعة" و"سراي شبرا" و"سراي الأزبكية"، ثم بنى ابنه "إبراهيم باشا" "قصر القبة"، وفي عهد "الخديوي إسماعيل" أنشئ "كوبري قصر النيل"، وأنشئت "حديقة الحيوان" على مساحة 30 فدانًا، وعدد من السرايات منها "سراي عابدين"، كما رُصفت بعض الطرق ومُدّت خطوط السكك الحديدية والهاتف وأنشئت المدارس الحديثة.
أما "القاهرة" في عهد الثورة وما جاء بعدها حتى الآن فقد شهدت تطورات كبيرة، فزادت مساحتها بدرجة كبيرة وأضيفت إليها أحياء ومدن جديدة تزيد مساحة بعض هذه المدن عن 400 كيلومتر، مثل مدينة السادس من أكتوبر، كما شهدت زيادة كبيرة في عدد الكباري، واتساع مشروع مترو الأنفاق، وازداد عدد سكانها.. وما زال التاريخ يسجل أحداث القاهرة في الزمان والمكان.