الحرب العظمى
الجزء الثاني
المأزق
ألمانيا بلجيكا:
اقتضت خطة القائد الألماني
ألفريد غرف فون شليفن
تجاوز الدفاعات الفرنسية بالعبور عبر بلجيكا والدوران بقوس كبيرة حول باريس وحصارها من الشرق
وكان الجنرالات الألمان قد كانوا مقتنعين بأن باريس ستسقط في قبضة الألمان في خلال 6 أسابيع فيتحول الجيش الألماني إلى روسيا
ولخص القيصر الألماني الحرب بعبارة واحدة بقوله :
" الغداء في باريس والعشاء في سان بترس بيرغ "
" أحبائي .. عليكم أن تكونوا فخورين لأنكم تعيشون في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الأمة وكان لكم شرف إرسال من تحبون إلى هذا النضال المجيد ، إنها البهجة في الذهاب إلى الجبهة مع أولائك الرفاق الواثقين من تحقيق النصر " .
في الرابع من آب أغسطس من عام 1914 عبرت فرق الخيالة الألمانية الحدود إلى بلجيكا وواجهتها قوة بلجيكية صغيرة وكانت القوة الألمانية تفوقها عشرات المرات وكانوا غير مجهزين جيدا وكان أكبر اعتماد القادة البلجيك على سلسلة حصون بوابات مدينة ليج الخراسانية والفولاذية .
أنظر وضع الجيوش في بداية الحرب
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2005.htm
إلا أن الألمان كانوا قد أماطوا اللثام عن سلاحهم الجديد ألا وهو " القذاف العملاق بيك بيتا " .
دكت الحصون الفولاذية والخراسانية دكا وسويت بالأرض وأصبحت أنقاضا واخترقت فرق المشاة الألمانية حقول ليج بكل سهولة وأبيدت القوة البلجيكية عن آخرها إذ أنها رفضت الاستسلام أو تسليم الحصن .
كانت المعركة في بلجيكا مريرة بالنسبة للألمان إذ لم يدم فرحهم بالنصر على الحدود طويلا فقد واجهوا تكتيكا جديدا لفن الحرب ألا وهو حرب العصابات
كان القناصة البلجيك من المدنيين في المدن والقرى البلجيكية يسقطون الكثير في صفوف العدو والآن أصبح الكل خائفا فلم يكن أحد ليعلم مكان العدو ما لم يطلق النار أولا وكانت الشوارع والمنازل مليئة بالمدنيين مما أدى إلى موجة ذبح وقتل عند أدنى إثارة .
أُخطِر البلجيك أنه سيتم إعدام عشرة مدنيين مقابل كل جندي ألماني يقتل ، أوقف المئات من النساء والأطفال والرجال صفوفا وأعدموا رميا بالرصاص
وقد شوهدت جثث أطفال شويت أقدامهم بفعل الجنود الألمان، وكان ما فعله الألمان بالنساء البلجيكيات بغيضا لا يمكن وصفه.
شكل هذا العمل الذي قامت به جحافل الجيش الألماني ضد المدنيين البلجيك .. شكل أول حملة دعائية ضد العدو وكان سلاحا استثنائيا للحلفاء ووصِفَ الألمان بأن هناك شيئا وراثيا يؤدي بهم إلى هذا التوحش .
ولم يخسر الألمان جنودا بقدر ما خسروا صورتهم تلك الصورة المشينة التي أخذها عنهم العالم في إبادة أمة صغيرة تدافع عن وجودها وكرامتها وأرضها .
بريطانيا :
كانت بريطانيا الدولة الوحيدة من بين الدول المتحاربة التي تعتمد على جيش تطوعي فكان لابد من حملة دعاية من أجل التسلح لأجل الوطن ، فاتخذ وزير الحرب البريطاني اللورد
هوريتيو هيربيرت كيتشينر
التدابير لذلك .
وصف أحد الصحفيين كيف تحولت مباراة لكرة القدم إلى حملة تطوع أعطت 200 متطوع للجيش وكانت شروط التطوع أن تكون الأسنان سليمة والجسم سليما والعينان والأذنان كذلك وأن يكون العمر بين 19 إلى 30 وكان شعار التجنيد " انضم مع أصدقائك " فكانت الفكرة بتشكيل جيش من المتطوعين يضم فرقا من الأصدقاء الذين يتدربون معا ويحاربون معا ويتعايشون ظروف الحرب معا.
فرنسا :
تغيرت فرنسا كما لو أن أحدا قد ألقى كلمة سحرية في نهر السين فقد عم الهدوء العاصمة باريس كأن شيئا لم يحصل وكن النسوة يختبئن في بيوتهن
متضرعات إلى الله ويتساءلن عن كيفية العيش بعد رحيل أحبائهن عنهن .
لم تشهد فرنسا تلك المسيرات والجلبة ضد الألمان كما كانت في المدن الأوربية الأخرى وكان هدوء باريس مذهلا إذ لم تكن هذه المرة الأولى التي تحارب
فيها فرنسا ألمانيا ففي عام 1871 أعلنت ألمانيا المنتصرة ضم مقاطعتي الألزاس واللورين الغنيتين في غرب وسط فرنسا إليها .
كان
جوزيف جاك سيزر جوفر
أحد أبطال الهجوم وقد أخبر جنوده أن السرعة والشجاعة هما الأساس وأن المدفعية الثقيلة هي العقبة أما الحربة فهي السلاح المتفوق في تحقيق النصر.
ساد إعتقاد بأن الألمان وأمام شجاعة الجنود الفرنسيين وبسالتهم سيرغمون على التراجع وكان الجنود الفرنسيين وبتقليد حروب القرن التاسع عشر يبدون كاللعب ببنادقهم اللامعة ومعاطفهم الزرقاء وسراويلهم وقبعاتهم الحمراء مما جعلهم هدفا سهلا لمدفعية العدو الرشاشة فقد كان اللون الأخضر في اللباس العسكري في حروب القرن التاسع دليل جبن بينما الألوان الفاقعة كانت دليل الشجاعة والنبل في الحرب لكن هذا لم يكن نافعا في عالم كان مكتوبا له أن يتغير.
بعد تقييم الجيش الفرنسي للجيش الألماني في بلجيكا صمم الفرنسيون خطة هجوم لاستعادة مقاطعتي الألزاس واللورين
إضغط لتر خريطة العمليات
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2003new.htm
وتقدموا مكشوفين تماما وخسروا المعركة أمام المدفعية الألمانية الثقيلة قتل أربعين ألف رجل في غضون أربعة أيام منهم سبعٌ وعشرون ألفا في يوم واحد وكان الثاني والعشرين من أغسطس اليوم الدامي في التاريخ العسكري الفرنسي.
بداء الجيش الفرنسي بالتقهقر إلى القرى التي عجز عن حمايتها من العدو وأخطر جوفر حكومته بأن الألمان سيصلون جدران باريس في غضون اثني عشر يوما واستفسر فيما إذا كانت باريس مستعدة لمقاومة الحصار الألماني .
تحركت موجات اللاجئين المتكدسة مع أمتعتهم وحيواناتهم لأول مرة من باريس هربا من العدو وكان تفكيرهم الوحيد هو الذهاب إلى أبعد حدود الأرض
فهرب الناس إلى الساحل الفرنسي وكانت ترافقهم القطر المليئة بالموتى والجرحى والجنود.
بريطانيا:
تزامن نزوح المدنيين عن باريس مع عبور أول قوة حملة بريطانية القنال الإنجليزي إلى فرنسا وكان الجنود البريطانيون مفعمين بروح المغامرة وكان اغلبهم
لا يعرفون أين هم ذاهبون ومن يقاتلون ؟ الألمان أم الفرنسيون.. ولم يكونوا يعلمون لماذا يقاتلون أصلا ولكنهم كانوا يعلمون أن الطلقات السريعة مع هجوم الحربة الأيرلندية سترعب العدو وتهزمه.
في الثاني والعشرين من أغسطس آب اجتازت فرق المشاة الألمانية مدينة مونز البلجيكية
أنظر الخريطة
وكان في انتظارها طلائع القوة البريطانية وكان كل جندي بريطاني مقابل ثلاثة من الألمان
حتى الرامي السيئ ما كان ليخطئ هدفا من بين الجنود المتقدمين ، ولكن مع ذلك فوجئ الجيش البريطاني بأمره بالتراجع .
كان ثقل الزحف الألماني كبيرا بالنسبة لهذه القوة البريطانية الصغيرة
في الوقت الذي كان الجيش الفرنسي يتقهقر كان الجيش الألماني قريبا من الإعياء وبسبب ذلك إتسعت الفجوات بين الجيوش الألمانية أثناء زحفها نحو باريس أكثر فأكثر في الأراضي الفرنسية ولإغلاق الثغرات فيما بينها تحركت تلك الجيوش نحو شرق العاصمة بدل غربها كما كان مخططا لها فأصبح الألمان على مسافة 40 كيلومترا شرقي باريس وقد أتاح ذلك للفرنسيين توجيه ضربة لجناح الجيش الألماني المكشوف
أنظر معركة المارن .
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2009.htm
وكان الفشل في هذه المرة يعني فقدان باريس
وخسارة المعركة مرة واحدة وإلى الأبد .
إنسحب الفصيل السابع إلى باريس وشوهدت سيارات التاكسي تنقل الجنود إلى الجبهة لتدارك الموقف باريس في خطر محقق .
دامت معركة المارن شرقي باريس مدة ستة أيام من الثلاثين من أغسطس وحتى الخامس من سبتمبر أيلول من عام 1914 شارك فيها مليونا جندي من الطرفين تلاحم فيها كل من الجيش
الأول الألماني مع الجيش السادس الفرنسي
والجيش الثاني الألماني مع الجيش الخامس والتاسع الفرنسي
و الجيش الثالث والرابع والخامس الألماني مع الجيش الثالث والرابع والتاسع الفرنسي .
وحينما انتهت المعركة كان الزحف الألماني قد أوقف وباريس قد أنقذت.
ذهبت خطة شليفن أدراج الرياح.
وبدأت حرب من نوع جديد ففي قبالة التطور التكنولوجي للأسلحة تخلى الجنود عن تكتيك حروب القرن التاسع عشر ولحماية أنفسهم من نيران العدو
تحولت الحرب إلى نظام جديد هو حرب الخنادق ... إنه المأزق
ألمانيا روسيا :
عندما كان الجيش الألماني يتقدم نحو باريس داخل الأراضي الفرنسية كان المواطنون الألمان يغادرون منازلهم هاربين من تهديد جديد فقد تعبأ الجيش الروسي
بأسرع مما هو متوقع وبدأ بغزو ألمانيا لمساندة فرنسا وهكذا أصبحت ألمانيا في مجابهة جبهتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب .
كان الجيش الروسي يفوق الجيش الألماني بنسبة أربعة إلى واحد لكن فعاليته لم تكن مثل حجمه فقد كان كثير من الضباط وضباط الصف والجنود العاديين
من الفلاحين الغير مدربين ، :ما أنه كان هناك إقتصاد في قذائف المدفعية ودخل بعض الجنود الحرب بدون بندقية بل فقط بالسيوف هذا من جانب ومن
جانب آخر فإن القائدين العظيمين
بافل رنينكامبف
وإلكزاندر سامسونوف
لم يكونا على وفاق . قسم الجنرالات الروس جيشهم إلى جيشين لعبور سلسلة البحيرات البالغة ثمانين كيلومترا طولاً وكان ذلك العمل خطأً فادحاً إذ حرك الألمان بقيادة القائدين العظيمين
إرك فون لودوندورف
ولودفيد فون هيندنبيرغ
جيوشهم جنوبا
أنظر الخريطة على الرابط
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2025.htm
فحاصرو جيش سامسونوف في تانينبيرغ وتفوقوا عليه عدديا
أنظر الخريطة على الرابط
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2027.htm
كانت الرشاشات الألمانية تحصد الجنود الروس بمجرد ظهورهم في حقول البطاطا الواسعة .
أبيد جيش سامسونوف وراح سامسونوف يكرر أن عار هذه الهزيمة أكثر مما استطاع تحمله وأنه لن يستطيع مواجهة القيصر الذي طالما وثق به بعد هذه الهزيمة .
ونتيجة لكل هذا الضغط النفسي انتحر سامسونوف بأن أطلق على نفسه النار .
هنغاريا روسيا :
لم تحرز الجبهة الهنغارية الروسية ذلك التقدم الذي أحرزته نظيرتها شمالا فقد كانت العمليات في سيليزيا العليا محدودة مقارنة بتلك التي كانت في تانينبيرغ وبينما كان الجيش الألماني يتقدم في سلسزيا محرزا انتصارات ساحقة على الروس لم يكن الموقف واضحا بالنسبة لهنغاريا فقد تقهقر الجيش الهنغاري إلى كل من تارنو وغارلسي في غاليسيا حتى الخامس والعشرين من سبتمبر 1914 .
أنظر الخريطة
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2028.htm
إلا أن صف الجيش الهنغاري لجيوشه الأول والثاني والثالث والرابع على الجبهة الروسية كان له دور كبير في تشر الجيش الروسي وإتاحة الفرصة لألمانيا في تانينبيرغ للنصر ، وقد كان الجيش الهنغاري خاضعا في أغلب تحركاته لأوامر قادة الجيش الألماني إلا في حالات بسيطة مما أعطى قوة زائدة لقوات المحور لم تكن لدول الوفاق .
النمسا صربيا :
كذلك لم يكن التقدم النمساوي وحتى السابع عشر من سبتمبر إلا ضئيلا داخل الأراضي الصربية
لقد كان لتدخل روسيا في الحرب دور أساسي في تأخير الحركة النمساوية الهنغارية على الجبهتين فلم تستطع النمسا هنغاريا إحراز تقدم ملحوظ في صربيا حتى الثالث من ديسمبر كانون الأول من عام 1914 إلا أنها كان قد أحكمت قبضتها على بلغراد .
أنظر الخريطة
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2028.htm
نتيجة للتطور التكنولوجي لأدوا القتل اخترعت وسائل حل تلفيقية للحد من الأضرار لكنها لم بتلك الفاعلية فاخترعت الدروع المخرزة الواقية من الشظايا والدروع الحديدية الواقية من الرصاص ولكن الحل الأمثل كان الخنادق
كانت الخنادق مخبئا جيدا من مدفعية العدو ولكنها كانت كارثة بالنسبة للجنود من وجه آخر فالقاذورات والمراحيض المنتشرة والطين و الروائح النتنة والجرذان التي كانت تأكل من الجثث المتفسخة ثم تدخل ملتمسة الدفء بين الجنود لتنام كل ذلك سبب أمراضا و أضرارا فادحة .
كانت آخر نفحة من نفحات الإنسانية تلك التي حدثت ليلة رأس السنة فقد تعالت أصوات الغناء من الخنادق بدل الرصاص وكان الطعام يلقى في الحفر المقابلة بين الخنادق المتعادية وما أن انتهى الاحتفال في صباح اليوم التالي حتى كتب كابتن الفرقة الإنغليزية لنظيره الألماني عبارة عيد ميلاد مجيد على علم ورد الآخر بصحيفة كتب عليها شكرا ثم أطلق الكابتن الألماني طلقتين في الهواء وعادت الحرب من جديد.
الجزء الثاني
المأزق
ألمانيا بلجيكا:
اقتضت خطة القائد الألماني
ألفريد غرف فون شليفن
تجاوز الدفاعات الفرنسية بالعبور عبر بلجيكا والدوران بقوس كبيرة حول باريس وحصارها من الشرق
وكان الجنرالات الألمان قد كانوا مقتنعين بأن باريس ستسقط في قبضة الألمان في خلال 6 أسابيع فيتحول الجيش الألماني إلى روسيا
ولخص القيصر الألماني الحرب بعبارة واحدة بقوله :
" الغداء في باريس والعشاء في سان بترس بيرغ "
" أحبائي .. عليكم أن تكونوا فخورين لأنكم تعيشون في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الأمة وكان لكم شرف إرسال من تحبون إلى هذا النضال المجيد ، إنها البهجة في الذهاب إلى الجبهة مع أولائك الرفاق الواثقين من تحقيق النصر " .
في الرابع من آب أغسطس من عام 1914 عبرت فرق الخيالة الألمانية الحدود إلى بلجيكا وواجهتها قوة بلجيكية صغيرة وكانت القوة الألمانية تفوقها عشرات المرات وكانوا غير مجهزين جيدا وكان أكبر اعتماد القادة البلجيك على سلسلة حصون بوابات مدينة ليج الخراسانية والفولاذية .
أنظر وضع الجيوش في بداية الحرب
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2005.htm
إلا أن الألمان كانوا قد أماطوا اللثام عن سلاحهم الجديد ألا وهو " القذاف العملاق بيك بيتا " .
دكت الحصون الفولاذية والخراسانية دكا وسويت بالأرض وأصبحت أنقاضا واخترقت فرق المشاة الألمانية حقول ليج بكل سهولة وأبيدت القوة البلجيكية عن آخرها إذ أنها رفضت الاستسلام أو تسليم الحصن .
كانت المعركة في بلجيكا مريرة بالنسبة للألمان إذ لم يدم فرحهم بالنصر على الحدود طويلا فقد واجهوا تكتيكا جديدا لفن الحرب ألا وهو حرب العصابات
كان القناصة البلجيك من المدنيين في المدن والقرى البلجيكية يسقطون الكثير في صفوف العدو والآن أصبح الكل خائفا فلم يكن أحد ليعلم مكان العدو ما لم يطلق النار أولا وكانت الشوارع والمنازل مليئة بالمدنيين مما أدى إلى موجة ذبح وقتل عند أدنى إثارة .
أُخطِر البلجيك أنه سيتم إعدام عشرة مدنيين مقابل كل جندي ألماني يقتل ، أوقف المئات من النساء والأطفال والرجال صفوفا وأعدموا رميا بالرصاص
وقد شوهدت جثث أطفال شويت أقدامهم بفعل الجنود الألمان، وكان ما فعله الألمان بالنساء البلجيكيات بغيضا لا يمكن وصفه.
شكل هذا العمل الذي قامت به جحافل الجيش الألماني ضد المدنيين البلجيك .. شكل أول حملة دعائية ضد العدو وكان سلاحا استثنائيا للحلفاء ووصِفَ الألمان بأن هناك شيئا وراثيا يؤدي بهم إلى هذا التوحش .
ولم يخسر الألمان جنودا بقدر ما خسروا صورتهم تلك الصورة المشينة التي أخذها عنهم العالم في إبادة أمة صغيرة تدافع عن وجودها وكرامتها وأرضها .
بريطانيا :
كانت بريطانيا الدولة الوحيدة من بين الدول المتحاربة التي تعتمد على جيش تطوعي فكان لابد من حملة دعاية من أجل التسلح لأجل الوطن ، فاتخذ وزير الحرب البريطاني اللورد
هوريتيو هيربيرت كيتشينر
التدابير لذلك .
وصف أحد الصحفيين كيف تحولت مباراة لكرة القدم إلى حملة تطوع أعطت 200 متطوع للجيش وكانت شروط التطوع أن تكون الأسنان سليمة والجسم سليما والعينان والأذنان كذلك وأن يكون العمر بين 19 إلى 30 وكان شعار التجنيد " انضم مع أصدقائك " فكانت الفكرة بتشكيل جيش من المتطوعين يضم فرقا من الأصدقاء الذين يتدربون معا ويحاربون معا ويتعايشون ظروف الحرب معا.
فرنسا :
تغيرت فرنسا كما لو أن أحدا قد ألقى كلمة سحرية في نهر السين فقد عم الهدوء العاصمة باريس كأن شيئا لم يحصل وكن النسوة يختبئن في بيوتهن
متضرعات إلى الله ويتساءلن عن كيفية العيش بعد رحيل أحبائهن عنهن .
لم تشهد فرنسا تلك المسيرات والجلبة ضد الألمان كما كانت في المدن الأوربية الأخرى وكان هدوء باريس مذهلا إذ لم تكن هذه المرة الأولى التي تحارب
فيها فرنسا ألمانيا ففي عام 1871 أعلنت ألمانيا المنتصرة ضم مقاطعتي الألزاس واللورين الغنيتين في غرب وسط فرنسا إليها .
كان
جوزيف جاك سيزر جوفر
أحد أبطال الهجوم وقد أخبر جنوده أن السرعة والشجاعة هما الأساس وأن المدفعية الثقيلة هي العقبة أما الحربة فهي السلاح المتفوق في تحقيق النصر.
ساد إعتقاد بأن الألمان وأمام شجاعة الجنود الفرنسيين وبسالتهم سيرغمون على التراجع وكان الجنود الفرنسيين وبتقليد حروب القرن التاسع عشر يبدون كاللعب ببنادقهم اللامعة ومعاطفهم الزرقاء وسراويلهم وقبعاتهم الحمراء مما جعلهم هدفا سهلا لمدفعية العدو الرشاشة فقد كان اللون الأخضر في اللباس العسكري في حروب القرن التاسع دليل جبن بينما الألوان الفاقعة كانت دليل الشجاعة والنبل في الحرب لكن هذا لم يكن نافعا في عالم كان مكتوبا له أن يتغير.
بعد تقييم الجيش الفرنسي للجيش الألماني في بلجيكا صمم الفرنسيون خطة هجوم لاستعادة مقاطعتي الألزاس واللورين
إضغط لتر خريطة العمليات
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2003new.htm
وتقدموا مكشوفين تماما وخسروا المعركة أمام المدفعية الألمانية الثقيلة قتل أربعين ألف رجل في غضون أربعة أيام منهم سبعٌ وعشرون ألفا في يوم واحد وكان الثاني والعشرين من أغسطس اليوم الدامي في التاريخ العسكري الفرنسي.
بداء الجيش الفرنسي بالتقهقر إلى القرى التي عجز عن حمايتها من العدو وأخطر جوفر حكومته بأن الألمان سيصلون جدران باريس في غضون اثني عشر يوما واستفسر فيما إذا كانت باريس مستعدة لمقاومة الحصار الألماني .
تحركت موجات اللاجئين المتكدسة مع أمتعتهم وحيواناتهم لأول مرة من باريس هربا من العدو وكان تفكيرهم الوحيد هو الذهاب إلى أبعد حدود الأرض
فهرب الناس إلى الساحل الفرنسي وكانت ترافقهم القطر المليئة بالموتى والجرحى والجنود.
بريطانيا:
تزامن نزوح المدنيين عن باريس مع عبور أول قوة حملة بريطانية القنال الإنجليزي إلى فرنسا وكان الجنود البريطانيون مفعمين بروح المغامرة وكان اغلبهم
لا يعرفون أين هم ذاهبون ومن يقاتلون ؟ الألمان أم الفرنسيون.. ولم يكونوا يعلمون لماذا يقاتلون أصلا ولكنهم كانوا يعلمون أن الطلقات السريعة مع هجوم الحربة الأيرلندية سترعب العدو وتهزمه.
في الثاني والعشرين من أغسطس آب اجتازت فرق المشاة الألمانية مدينة مونز البلجيكية
أنظر الخريطة
وكان في انتظارها طلائع القوة البريطانية وكان كل جندي بريطاني مقابل ثلاثة من الألمان
حتى الرامي السيئ ما كان ليخطئ هدفا من بين الجنود المتقدمين ، ولكن مع ذلك فوجئ الجيش البريطاني بأمره بالتراجع .
كان ثقل الزحف الألماني كبيرا بالنسبة لهذه القوة البريطانية الصغيرة
في الوقت الذي كان الجيش الفرنسي يتقهقر كان الجيش الألماني قريبا من الإعياء وبسبب ذلك إتسعت الفجوات بين الجيوش الألمانية أثناء زحفها نحو باريس أكثر فأكثر في الأراضي الفرنسية ولإغلاق الثغرات فيما بينها تحركت تلك الجيوش نحو شرق العاصمة بدل غربها كما كان مخططا لها فأصبح الألمان على مسافة 40 كيلومترا شرقي باريس وقد أتاح ذلك للفرنسيين توجيه ضربة لجناح الجيش الألماني المكشوف
أنظر معركة المارن .
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2009.htm
وكان الفشل في هذه المرة يعني فقدان باريس
وخسارة المعركة مرة واحدة وإلى الأبد .
إنسحب الفصيل السابع إلى باريس وشوهدت سيارات التاكسي تنقل الجنود إلى الجبهة لتدارك الموقف باريس في خطر محقق .
دامت معركة المارن شرقي باريس مدة ستة أيام من الثلاثين من أغسطس وحتى الخامس من سبتمبر أيلول من عام 1914 شارك فيها مليونا جندي من الطرفين تلاحم فيها كل من الجيش
الأول الألماني مع الجيش السادس الفرنسي
والجيش الثاني الألماني مع الجيش الخامس والتاسع الفرنسي
و الجيش الثالث والرابع والخامس الألماني مع الجيش الثالث والرابع والتاسع الفرنسي .
وحينما انتهت المعركة كان الزحف الألماني قد أوقف وباريس قد أنقذت.
ذهبت خطة شليفن أدراج الرياح.
وبدأت حرب من نوع جديد ففي قبالة التطور التكنولوجي للأسلحة تخلى الجنود عن تكتيك حروب القرن التاسع عشر ولحماية أنفسهم من نيران العدو
تحولت الحرب إلى نظام جديد هو حرب الخنادق ... إنه المأزق
ألمانيا روسيا :
عندما كان الجيش الألماني يتقدم نحو باريس داخل الأراضي الفرنسية كان المواطنون الألمان يغادرون منازلهم هاربين من تهديد جديد فقد تعبأ الجيش الروسي
بأسرع مما هو متوقع وبدأ بغزو ألمانيا لمساندة فرنسا وهكذا أصبحت ألمانيا في مجابهة جبهتين واحدة في الشرق وأخرى في الغرب .
كان الجيش الروسي يفوق الجيش الألماني بنسبة أربعة إلى واحد لكن فعاليته لم تكن مثل حجمه فقد كان كثير من الضباط وضباط الصف والجنود العاديين
من الفلاحين الغير مدربين ، :ما أنه كان هناك إقتصاد في قذائف المدفعية ودخل بعض الجنود الحرب بدون بندقية بل فقط بالسيوف هذا من جانب ومن
جانب آخر فإن القائدين العظيمين
بافل رنينكامبف
وإلكزاندر سامسونوف
لم يكونا على وفاق . قسم الجنرالات الروس جيشهم إلى جيشين لعبور سلسلة البحيرات البالغة ثمانين كيلومترا طولاً وكان ذلك العمل خطأً فادحاً إذ حرك الألمان بقيادة القائدين العظيمين
إرك فون لودوندورف
ولودفيد فون هيندنبيرغ
جيوشهم جنوبا
أنظر الخريطة على الرابط
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2025.htm
فحاصرو جيش سامسونوف في تانينبيرغ وتفوقوا عليه عدديا
أنظر الخريطة على الرابط
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2027.htm
كانت الرشاشات الألمانية تحصد الجنود الروس بمجرد ظهورهم في حقول البطاطا الواسعة .
أبيد جيش سامسونوف وراح سامسونوف يكرر أن عار هذه الهزيمة أكثر مما استطاع تحمله وأنه لن يستطيع مواجهة القيصر الذي طالما وثق به بعد هذه الهزيمة .
ونتيجة لكل هذا الضغط النفسي انتحر سامسونوف بأن أطلق على نفسه النار .
هنغاريا روسيا :
لم تحرز الجبهة الهنغارية الروسية ذلك التقدم الذي أحرزته نظيرتها شمالا فقد كانت العمليات في سيليزيا العليا محدودة مقارنة بتلك التي كانت في تانينبيرغ وبينما كان الجيش الألماني يتقدم في سلسزيا محرزا انتصارات ساحقة على الروس لم يكن الموقف واضحا بالنسبة لهنغاريا فقد تقهقر الجيش الهنغاري إلى كل من تارنو وغارلسي في غاليسيا حتى الخامس والعشرين من سبتمبر 1914 .
أنظر الخريطة
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2028.htm
إلا أن صف الجيش الهنغاري لجيوشه الأول والثاني والثالث والرابع على الجبهة الروسية كان له دور كبير في تشر الجيش الروسي وإتاحة الفرصة لألمانيا في تانينبيرغ للنصر ، وقد كان الجيش الهنغاري خاضعا في أغلب تحركاته لأوامر قادة الجيش الألماني إلا في حالات بسيطة مما أعطى قوة زائدة لقوات المحور لم تكن لدول الوفاق .
النمسا صربيا :
كذلك لم يكن التقدم النمساوي وحتى السابع عشر من سبتمبر إلا ضئيلا داخل الأراضي الصربية
لقد كان لتدخل روسيا في الحرب دور أساسي في تأخير الحركة النمساوية الهنغارية على الجبهتين فلم تستطع النمسا هنغاريا إحراز تقدم ملحوظ في صربيا حتى الثالث من ديسمبر كانون الأول من عام 1914 إلا أنها كان قد أحكمت قبضتها على بلغراد .
أنظر الخريطة
http://www.dean.usma.edu/history/web03/atlases/great%20war/great%20war%20%20pages/great%20war%20map%2028.htm
نتيجة للتطور التكنولوجي لأدوا القتل اخترعت وسائل حل تلفيقية للحد من الأضرار لكنها لم بتلك الفاعلية فاخترعت الدروع المخرزة الواقية من الشظايا والدروع الحديدية الواقية من الرصاص ولكن الحل الأمثل كان الخنادق
كانت الخنادق مخبئا جيدا من مدفعية العدو ولكنها كانت كارثة بالنسبة للجنود من وجه آخر فالقاذورات والمراحيض المنتشرة والطين و الروائح النتنة والجرذان التي كانت تأكل من الجثث المتفسخة ثم تدخل ملتمسة الدفء بين الجنود لتنام كل ذلك سبب أمراضا و أضرارا فادحة .
كانت آخر نفحة من نفحات الإنسانية تلك التي حدثت ليلة رأس السنة فقد تعالت أصوات الغناء من الخنادق بدل الرصاص وكان الطعام يلقى في الحفر المقابلة بين الخنادق المتعادية وما أن انتهى الاحتفال في صباح اليوم التالي حتى كتب كابتن الفرقة الإنغليزية لنظيره الألماني عبارة عيد ميلاد مجيد على علم ورد الآخر بصحيفة كتب عليها شكرا ثم أطلق الكابتن الألماني طلقتين في الهواء وعادت الحرب من جديد.