ما هو مفهوم العلاقة الذي يحدد صلة المسلمين بغيرهم في الغرب عموما وفي أوروبا خصوصا؟ ما نوع الأقلية المسلمة نفسها وما هي خلفياتها؟ وما هي علاقتها التاريخية وهذا البلد الذي تعيش فيه؟ هل للأقلية المسلمة عمق تاريخي وجغرافي مختلف؟ ما هي النظم التي تتبناها الأكثرية الأوروبية، هل هي دينية أو علمانية؟ ما هي المكونات الثقافية والاجتماعية والدينية التي يقوم عليها المجتمع الأوروبي؟
واقع التدين الأوروبي والتصور الإسلامي
دارت مناقشات المحور الأول حول "واقع التدين الأوروبي والتصور الإسلامي" برئاسة الدكتور عبد المجيد النجار. تحدث في البداية الدكتور طه جابر العلواني عن "واقع التدين بين التوجهات المنهجية والتطلعات الروحية". حلل اختلاف الناس على مفهوم الدين منذ العصور وأشار إلى أن معنى الدين بقي مظلوماً عند المسلمين وغيرهم، وكل متدين يرى نفسه على حق وأنه وحده يمتلك الحقيقة المطلقة وغيره على باطل في حين أن الدين مطلق والتدين نسبي. ودعا إلى دراسة الأديان السماوية دراسة مستفيضة حسب تسلسلها التاريخي وقد كانت في أصلها تتفق مع الإسلام في محاوره الكبرى المتمثلة في التوحيد والتزكية والعمران. ثم تحدث عن واقع التدين في أمريكا بعد أن أعطى عنه لمحة تاريخية بدء من عام 1620 وهي السنة التي فر فيها البروتستانت من بريطانيا إلى العالم الجديد. وتحدث عن التقارب الكبير بين البروتستانت واليهود فكل منهما الدينين تعرض لاضطهاد الكنيسة الكاثوليكية. كما أشار الدكتور العلواني إلى التغلغل العميق لنـزعات التطرف المسيحية في السياسة الأمريكية خاصة بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
الكلمة الثانية كانت للدكتور محمد الفاضل اللاّفي بعنوان "في نقد الخطاب الديني: رؤية إسلامية جديدة"، ركز فيه على عجز الكنيسة عن فهم حاجة الإنسان الروحية والمادية المعاصرة وتخليها عن شؤون الحياة، الشيء الذي أدى إلى التخلي عن الدين واعتباره أسطورة، وتقديمه في أحسن الحالات تعبيرة ثقافية. واقتربت العلمانية من الإلحاد وارتماء الإنسان الغربي في أحضان العقائد الروحية الأخرى: الفلسفة الدينية الآسيوية، مذاهب روحية وضعية، واختيار الإسلام ديناً أو حضارة. وأشار إلى تصور الإسلام للدين ووظيفته في الحياة منبها إلى المحاذير التي نص عليها الإسلام كالجهل والغلو والتطرف والتحلل والتفريط، وسوء الفهم والتوظيف الخاطئ.
تناول الكلمة بعده الدكتور محمد المستيري الذي قدم ورقة حملت عنوان: "تطور فكرة التدين المدني والروحانية الجديدة في الغرب وتحدي التصور الإسلامي" تحدث عن تطور طريقة التعامل مع الدين فكرة وسلوكا في المجتمعات الغربية وحلل بعض مظاهر جديدة للتدين في الغرب والتي سماها بالروحانيات اللاغيبية وهي روحانيات "ملحدة" لا تؤمن بالحاجة إلى إله بل تكتفي بالمخزون الذاتي داخل كل فرد التي يكفل السمو بالنفس إلى أعلى مراتب تزكيتها. وهذه المفارقة تحمل داخل الفكر الغربي معقوليتها من حيث هي تكرس سلطة الإنسان تماما مثلما فعلت الفلسفة المادية. وفسر ظهورها لعدة أسباب: نهاية القيمة وتأليه الإنسان واختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي وسيطرة عقلية الاستهلاك وانتشار الانتحار والعزوبية والطلاق بنسب مرتفعة. وتحدث أيضا عن التزكية في المنظور الإسلامي مركزا على ضرورة تقديم نموذج معرفي جديد يراعي التوازن بين الجسم والروح وعدم إخضاع التدين الأوروبي لمحمولات النظرة التراثية. ودعا في ختام ورقته لتوثيق صلة الحوار بالديانات السماوية للرد العميق على الروحانيات اللاغيبية التي تعيق رسالة التدين في أوروبا.
المشهد الديني بين أوروبا وأمريكا
الجلسة الثانية كانت بعنوان "المشهد الديني بين أوروبا وأمريكا". ترأس الجلسة الدكتور محمد الهواري من ألمانيا، وتمت مناقشة ثلاث ورقات بحثية. تحدث أولاً الدكتور جمال البرزنجي عن "المشهد الديني في أمريكا" وأشار إلى أن الإنسان الأمريكي يتعامل مع الدين كما يتعامل مع الأشياء الأخرى ويعرض الدين كما تعرض البضائع وله أن يتسوق منه ما يشاء. وهذه العروض توجد في المكتبات والتلفزيون والإنترنت فيختار لنفسه ديناً يرتاح له إن لم تعجبه ما تقدمه له الكنيسة. ويرى الدكتور البرزنجي أن الدين الذي كان مصدراً للصراعات والحروب سيكون في المستقبل أهم عنصر تفاهم وتقارب، لأن التدين الجديد يقوم على البعد الاجتماعي والمسؤولية الشخصية والقناعة والاختيار الفردي. وهناك أيضاً عوامل تؤثر على التدين عموماً في المجتمع الأمريكي، لخصها في العناصر التالية: الملل السائد من المجتمع الاستهلاكي، وتأنيب الضمير من التمييز العنصري والاستعباد الذي حصل في تاريخ أمريكا، والفقر الروحي الذي يشعر به الفرد الأمريكي.
والمؤسسات الدينية الأمريكية لديها قدرة عجيبة على التكيف مع التحديات فلم تعد تعتمد فقط على الكتب والنصوص الدينية بل أضافت إليها التجربة الشخصية وأوجدت طرق جديدة لاستقطاب التركيبة العامة للشعب الأمريكي كاستعمال الكومبيوتر والإنترنت والقيام بالنشاطات الاجتماعية والإنسانية، خاصة بعد غياب وتشتت الجماعات النشطة في مجال حقوق الإنسان التي كانت قوية في الستينات والسبعينات، فتحاول الكنيسة اليوم أن تستفيد من هذا الفراغ وتقوم بهذا الدور.
وتحدث بعده الدكتور كمال الهلباوي عن "حالة التدين في بريطانيا وأثرها على الدعوة". أشار المحاضر إلى اهتمام الكنيسة البريطانية بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للمتدينين. وحلل مجموعة من الإحصائيات عن حالة التدين في المجتمع البريطاني وهي تشير إلى انخفاض التعبد إلى أكثر من النصف. وتحدث الدكتور الهلباوي عن العلاقات الجيدة التي تربط المؤسسات الإسلامية بالهيئات الدينية والسياسية البريطانية ومع بعض وجهاء العائلة الملكية خاصة الأمير شارلز ولي العهد البريطاني. وأن الرهان المستقبلي للتدين الإسلامي يحتاج إلى مزيد توثيق الصلة ومجالات التعاون مع الكنيسة البريطانية.
وقدم الأستاذ حسام شاكر ورقة حول "النـزعة الدينية في أوروبا: أي واقع وأي مستقبل؟" لاحظ فيها أن القارة الأوروبية متجانسة جغرافياً، لكن الواقع الديني معقد وهذا ما يجعل رصد الحالة الدينية في أوروبا صعباً. فالأوروبي لا يعبر بسهولة عن حقيقة مشاعره الدينية وهو يعيش في مجتمع علماني تعتبر فيه المسألة الدينية من أعمق الخصوصيات الفردية. وتحدث المحاضر عن غياب رؤية محددة للموقف من الدين والإيمان، بالإضافة إلى فقدان الثقة في التصورات التي تقدمها الكنائس. ومما يزيد الموقف تعقيدا اختلاف الباحثين وعدم دقتهم في تحديد مفاهيم جوهرية للدين والإيمان والظاهرة الدينية وحتى للعلمانية والحداثة. وتحدث الأستاذ حسام شاكر عن تباين مواقف الدول الأوروبية تجاه الدين، ففرنسا تقوم على العلمانية الصارمة بموجب قانون 1905 الذي أقر بفصل الدين عن الدولة بالكامل. أما في الدانمارك، فإن الكنيسة اللوثرية تحتفظ بنفوذ واسع النطاق في الحياة الدانمركية. وفي هولندا، أقرت الدولة في عام 1982 فصلاً مشدداً بين الدين والدولة بما يقيد حصول المجموعات الدينية على مساعدات رسمية بقيامها بنشاطات اجتماعية فحسب، وهذا ما يسري أيضاً على المسلمين، أما في بلجيكا، فإن الدستور كفل الحرية الدينية إلى جانب فصل الدين عن الدولة، ولكن هذه العلمانية قاصرة النطاق، حيث تنفق الدولة على الشؤون الدينية وتعطي امتيازات للإدارة التي ترعى المجموعات الدينية. ويرى الأستاذ شاكر أن الكنيسة ستسعى مستقبلاً إلى تعزيز حضورها في المجتمع وفي الحياة العامة من خلال استثمار ثغرات المجتمع "العلماني الحداثي المادي" وتواصل بذل جهودها في إطار تبني هموم الشرائح المستضعفة. وأن طبيعة أداء الكنيسة ومواقفها ستخضع في المرحلة المقبلة لجملة من المحددات وعلى رأسها توجهات من سيخلف البابا بولس يوحنا الثاني على كرسي البابوية.
وأخيراً تناول الكلمة الدكتور عبد الحليم هربير الذي تحدث عن "الهوية المسيحية للأوروبيين". تساءل أولا هل جذور الهوية الغربية تعود للمسيحية؟ وهل مشروع الوحدة الأوروبية مشروع مسيحي؟ وتحدث عن مشكلتين أساسيتين تمس الظاهرة الدينية في أوروبا وهما ترجمة المصطلحات الدينية من لغة إلى أخرى والإحصاءات وسبر الآراء التي لا تعبر دائماً عن حقيقة التدين. ثم أشار إلى التعددية الدينية في أوروبا وركز على فرنسا التي يدين 70% من سكانها بالكاثوليكية وفيها أكبر الأقليات الدينية كالبروتستانت والمسلمون واليهود والبوذيون والماسونيون ومعظمها تتمتع بنفوذ في المجتمع الفرنسي. والمسلمون عليهم أن يربطوا صلاتهم بمختلف هذه الشرائح ولا يكتفون فقط بالمسيحيين الذين يمثلون الأغلبية من حيث العدد ولكن لا يعني أنهم وحدهم أصحاب القرار والتأثير. وتكلم أيضاً عن الحضور الديني المتمثل في الدفن وفق المراسيم الدينية والزواج في الكنيسة وتعميد الأبناء وبناء كنائس جدد وترميم الكنائس القديمة والإنتاج الثقافي الديني وفتح معاهد وجامعات كاثوليكية لتكوين أطر دينية، وتعبير السياسيين الصريح عن التزامهم الديني. وحول السؤال الذي طرحه الدكتور هربير في بداية المحاضرة، يجيب عنه بأن من الصعب القول إن هوية مستقبل أوروبا مسيحية لتعددية المسيحية نفسها وتزايد انتشار الديانات الأخرى والعلمانية داخل المجتمع الغربي، فالمستقبل هو للتنوع والتعددية والمسلمون يمكن لهم أن يقدموا الكثير في هذا الشأن.
صورة التدين في المجتمع الأوروبي
وتحت عنوان "صورة التدين في المجتمع الأوروبي"، دارت نقاشات الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور جمال البرزنجي، وتضمنت ثلاث ورقات. تحدث الأستاذ ضو مسكين عن "ظاهرة التدين المسيحي بين العقيدة والتقليد". فأشار إلى انفتاح الكنيسة أكثر من ذي قبل، إذ أدخلت الموسيقى لجذب المصلين وسمحت للمسيحيات بالزواج من المسلمين وفتحت مدارسها لغير المسيحيين، ورضيت بالعلمانية وبقيت صامتة أمام مجموعة من التصرفات والظواهر التي تتناقض مع القيم المسيحية. وحاولت أيضاً التقارب مع الديانات الأخرى لفهمها أكثر وخاصة من الإسلام، فكثفت الندوات حول الإسلام لفائدة الرهبان داخل الكنيسة. وقد ذكر المحاضر أنه وصلته رسالة من راهب كبير اعترف له أنه يقرأ كثيراً القرآن الكريم. وهناك حصص إذاعية وصحف تتحدث بأمانة عن الإسلام والمسلمين وتدافع عن قضاياهم. وتحدث أيضاً عن عودة التدين في أوروبا كنجاح المهرجان السنوي العالمي للشباب والتغطية الإعلامية الضخمة لسفر البابا يوحنا الثاني عبر العالم. والمشكلة بالنسبة للمسلمين ليست في موقف الكنيسة ولكن في موقف وسائل الإعلام، ودعا للحوار الديني الحقيقي والتعاون على القواسم المشتركة.
وألقت الدكتورة آن صوفي الأمين ورقة بعنوان "علاقة الأوروبيين بالديانة المسيحية"، فقدمت نتائج عن دراسة ميدانية لها عن التدين عند الشباب المسيحي عن طريق متابعة مشاركاتهم في المهرجانات الشبابية الدينية، التي تمثل لهم تجربة شخصية أكثر منها ممارسة دينية. وتراجعت الممارسة الدينية عند الشباب رغم هذه الحيوية لأن هناك عدة طرق للتعبير عن الإيمان والتدين، من بينها: الإحساس بالانتماء للجالية والثقافة الدينية كالاهتمام بالتراث والآثار والمشاعر الحسية والمثل المتعلقة بالدين. وأكدت الدكتورة آن صوفي على تحول في طريقة الاعتقاد نحو اعتبار التدين عملية فردية وظهور مساحة للشك والاهتمام أكثر بالحياة وقبول التعددية والتنوع.
وتحدث أخيراً الدكتور محمد الغمقي عن "الإعلام والتدين في أوروبا". تساءل عن مدى مساهمة وسائل الإعلام في صنع صورة حقيقية أو مشوهة للدين والتدين في الغرب؟ اختصر الدكتور الغمقي بحثه على دراسة الصحافة المكتوبة وقسمها إلى صحافة دينية وهي الجرائد التي تهتم بالدرجة الأولى بالدين وهي تصدر في غالب الأحيان عن المؤسسات المسيحية، والصحافة غير المختصة والتي تهتم من حين لآخر بالمواضيع الدينية. وقام الباحث بمسح بعض شبكات الإنترنت خاصة الموقع الذي يشرف عليه المفكر بانيكار وهو حريص كثيراً على الجانب الديني وعلى تمسك الأوروبيين بدينهم وانتمائهم للمسيحية. والحقيقة أن الصحافة ومواقع الإنترنت تعبر عن وجهة نظر أصاحبها فقط، وهي تختلف في توجهاتها بين الحياد والإنصاف وعدم الموضوعية وليس كل الإعلام الغربي ضد الدين كما هو مشاع.
التدين وتحديات الحداثة
تناولت الجلسة الرابعة، التي استهلت يوم الجمعة صباحا وترأس أعمالها الدكتور محمد المستيري، محور "التدين وتحديات الحداثة". وتمت فيها مناقشة ثلاث ورقات بحثية. تحدث أولاً المفكر الفلسطيني الأستاذ منير شفيق عن "التدين والعلمانية". وأكد في البداية على أن علاقة العلمانية والدين هي مسألة معرفية تحتاج إلى تدقيق وقد قدمت على أساس أنها أحد الشروط التي قامت عليها الحضارة الغربية. وهذه التجربة يراد تعميمها على العالم كله عن طريق الدعاية الغربية والعلمانيين العرب. والحقيقة أن هناك فرق بين مفهوم العلمانية عند الفرنسيين والأنجلوساكسون. فلاحظ تزاوج الدين والسلطة السياسية في تجارب بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عبر التاريخ، وأشار إلى أن الصراع في أوروبا كان بين كنيسة وكنيسة وليس بين الدين والدولة. وذكر بأن الغرب لم يقص الدين عن الحياة، والتجربة الغربية في المساواة التاريخية بين الدين والعلمانية لم تكن هزيمة كاملة للدين ولا نصر كامل للعلمانية، والغرب يظهر أنه لا يبالي بالدين ولكن في الحقيقة المسيحية بقيت عميقة ومتجذرة أو كما عبر"تحت الجلد"، فهناك انتماء والتزام ربما لا يظهر على السطح. وتطرق المحاضر للمساومة بين الحكماء وعلماء الدين عبر التاريخ الإسلامي ولم تكن هناك قطيعة بينهم، وفي فترات تاريخية معينة وقعت محاولات إقصاء الدين عن الدولة فقط بينما بقي المجتمع مرتبطاً دائماً بالأحكام الإسلامية. واعتبر الأستاذ منير شفيق الإسلام دين أمة أكثر من كونه إسلام دولة. ودعا إلى رفع يد الدولة عن الدين في العالم الإسلامي.
تحدث بعده الدكتور رضا الشايبي عن: "الخلفية الفلسفية التاريخية للموقف الأوروبي من الدين". فذكر في البداية أن موقف الإنسان الأوروبي من الدين بقي عائماً لأنه ليس عدائياً واضحاً ولا هو من الإيمان العامل، وهو ما يمكن أن نعبر عنه بالضبابية. وقام بعرض مختلف المدارس الفلسفية التي تناولت بالدراسة الدين وتفسير وظيفته وتحديد علاقته بالحياة. ويعتبر سان أوغسطين أول من قام بقراءة في عقلنة المسيحية بعد أن كانت تقتصر على التعاليم. كانت هذه الفلسفة مطبوعة بتشاؤم عميق حيث اعتبر معنى الحياة صراع دائم بين الخير والشر أو وفاء الإنسان لمدينة الله والعزوف عن المدينة الأرضية وقيمها المادية، والسعادة لا يمكن أن تحقق في الأرض وأن أحسن اللحظات لا تكون إلا بعد الموت. واعتبار شخص البابا رأس المثل والرجل الذي يملك الحكمة والسلطة المطلقة، نتج عنه استحواذ الكنيسة على الدين والمال والسلطة والعلم، ومراقبة العلماء، ومحاكمة كل من يرفض منطقها وتصورها للحياة والدين. وتحدث المحاضر عن الاتجاه الإبقوري الديموقريطي وهو مذهب يمجد العالم الأرضي ويعتبر أن العالم المادي هو الحقيقة الأولى، وقد بدأت هذه الفلسفة مع كانط الذي حمل شعار "تجرأ لاستعمال عقلك". وهو لا يؤكد ولا ينفي الحقائق العلوية. والمناهضة العنيفة والهجوم على الدين جاء من فلاسفة الأنوار في القرنين 18 و19 مثل فولتير وديدرو ثم سبينوزا وكارل ماركس الذين اعتبروا المسيحية اختراع السياسيين للسيطرة على الشعوب وأن الأشياء لا تحكمها القدرة الإلهية ولكن القوانين الطبيعية. ووقف المحاضر في الأخير عند الاتجاه العدمي الذي كتب عنه كل من نيتشيه وفرويد وسارتر وكامي. وهذه الفلسفة محاولة أخرى للقضاء على الفكر الكنسي وتمجيد الإنسان وإظهاره قوة فعالة واعتبار العلم بديل عن الدين ومصدر للسعادة البشرية.
لمتابعة الموضوع الشيق
منقول
http://eiiit.org/article_read.asp?a...ID=264&adad=278
واقع التدين الأوروبي والتصور الإسلامي
دارت مناقشات المحور الأول حول "واقع التدين الأوروبي والتصور الإسلامي" برئاسة الدكتور عبد المجيد النجار. تحدث في البداية الدكتور طه جابر العلواني عن "واقع التدين بين التوجهات المنهجية والتطلعات الروحية". حلل اختلاف الناس على مفهوم الدين منذ العصور وأشار إلى أن معنى الدين بقي مظلوماً عند المسلمين وغيرهم، وكل متدين يرى نفسه على حق وأنه وحده يمتلك الحقيقة المطلقة وغيره على باطل في حين أن الدين مطلق والتدين نسبي. ودعا إلى دراسة الأديان السماوية دراسة مستفيضة حسب تسلسلها التاريخي وقد كانت في أصلها تتفق مع الإسلام في محاوره الكبرى المتمثلة في التوحيد والتزكية والعمران. ثم تحدث عن واقع التدين في أمريكا بعد أن أعطى عنه لمحة تاريخية بدء من عام 1620 وهي السنة التي فر فيها البروتستانت من بريطانيا إلى العالم الجديد. وتحدث عن التقارب الكبير بين البروتستانت واليهود فكل منهما الدينين تعرض لاضطهاد الكنيسة الكاثوليكية. كما أشار الدكتور العلواني إلى التغلغل العميق لنـزعات التطرف المسيحية في السياسة الأمريكية خاصة بعد فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
الكلمة الثانية كانت للدكتور محمد الفاضل اللاّفي بعنوان "في نقد الخطاب الديني: رؤية إسلامية جديدة"، ركز فيه على عجز الكنيسة عن فهم حاجة الإنسان الروحية والمادية المعاصرة وتخليها عن شؤون الحياة، الشيء الذي أدى إلى التخلي عن الدين واعتباره أسطورة، وتقديمه في أحسن الحالات تعبيرة ثقافية. واقتربت العلمانية من الإلحاد وارتماء الإنسان الغربي في أحضان العقائد الروحية الأخرى: الفلسفة الدينية الآسيوية، مذاهب روحية وضعية، واختيار الإسلام ديناً أو حضارة. وأشار إلى تصور الإسلام للدين ووظيفته في الحياة منبها إلى المحاذير التي نص عليها الإسلام كالجهل والغلو والتطرف والتحلل والتفريط، وسوء الفهم والتوظيف الخاطئ.
تناول الكلمة بعده الدكتور محمد المستيري الذي قدم ورقة حملت عنوان: "تطور فكرة التدين المدني والروحانية الجديدة في الغرب وتحدي التصور الإسلامي" تحدث عن تطور طريقة التعامل مع الدين فكرة وسلوكا في المجتمعات الغربية وحلل بعض مظاهر جديدة للتدين في الغرب والتي سماها بالروحانيات اللاغيبية وهي روحانيات "ملحدة" لا تؤمن بالحاجة إلى إله بل تكتفي بالمخزون الذاتي داخل كل فرد التي يكفل السمو بالنفس إلى أعلى مراتب تزكيتها. وهذه المفارقة تحمل داخل الفكر الغربي معقوليتها من حيث هي تكرس سلطة الإنسان تماما مثلما فعلت الفلسفة المادية. وفسر ظهورها لعدة أسباب: نهاية القيمة وتأليه الإنسان واختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي وسيطرة عقلية الاستهلاك وانتشار الانتحار والعزوبية والطلاق بنسب مرتفعة. وتحدث أيضا عن التزكية في المنظور الإسلامي مركزا على ضرورة تقديم نموذج معرفي جديد يراعي التوازن بين الجسم والروح وعدم إخضاع التدين الأوروبي لمحمولات النظرة التراثية. ودعا في ختام ورقته لتوثيق صلة الحوار بالديانات السماوية للرد العميق على الروحانيات اللاغيبية التي تعيق رسالة التدين في أوروبا.
المشهد الديني بين أوروبا وأمريكا
الجلسة الثانية كانت بعنوان "المشهد الديني بين أوروبا وأمريكا". ترأس الجلسة الدكتور محمد الهواري من ألمانيا، وتمت مناقشة ثلاث ورقات بحثية. تحدث أولاً الدكتور جمال البرزنجي عن "المشهد الديني في أمريكا" وأشار إلى أن الإنسان الأمريكي يتعامل مع الدين كما يتعامل مع الأشياء الأخرى ويعرض الدين كما تعرض البضائع وله أن يتسوق منه ما يشاء. وهذه العروض توجد في المكتبات والتلفزيون والإنترنت فيختار لنفسه ديناً يرتاح له إن لم تعجبه ما تقدمه له الكنيسة. ويرى الدكتور البرزنجي أن الدين الذي كان مصدراً للصراعات والحروب سيكون في المستقبل أهم عنصر تفاهم وتقارب، لأن التدين الجديد يقوم على البعد الاجتماعي والمسؤولية الشخصية والقناعة والاختيار الفردي. وهناك أيضاً عوامل تؤثر على التدين عموماً في المجتمع الأمريكي، لخصها في العناصر التالية: الملل السائد من المجتمع الاستهلاكي، وتأنيب الضمير من التمييز العنصري والاستعباد الذي حصل في تاريخ أمريكا، والفقر الروحي الذي يشعر به الفرد الأمريكي.
والمؤسسات الدينية الأمريكية لديها قدرة عجيبة على التكيف مع التحديات فلم تعد تعتمد فقط على الكتب والنصوص الدينية بل أضافت إليها التجربة الشخصية وأوجدت طرق جديدة لاستقطاب التركيبة العامة للشعب الأمريكي كاستعمال الكومبيوتر والإنترنت والقيام بالنشاطات الاجتماعية والإنسانية، خاصة بعد غياب وتشتت الجماعات النشطة في مجال حقوق الإنسان التي كانت قوية في الستينات والسبعينات، فتحاول الكنيسة اليوم أن تستفيد من هذا الفراغ وتقوم بهذا الدور.
وتحدث بعده الدكتور كمال الهلباوي عن "حالة التدين في بريطانيا وأثرها على الدعوة". أشار المحاضر إلى اهتمام الكنيسة البريطانية بالجانب الاقتصادي والاجتماعي للمتدينين. وحلل مجموعة من الإحصائيات عن حالة التدين في المجتمع البريطاني وهي تشير إلى انخفاض التعبد إلى أكثر من النصف. وتحدث الدكتور الهلباوي عن العلاقات الجيدة التي تربط المؤسسات الإسلامية بالهيئات الدينية والسياسية البريطانية ومع بعض وجهاء العائلة الملكية خاصة الأمير شارلز ولي العهد البريطاني. وأن الرهان المستقبلي للتدين الإسلامي يحتاج إلى مزيد توثيق الصلة ومجالات التعاون مع الكنيسة البريطانية.
وقدم الأستاذ حسام شاكر ورقة حول "النـزعة الدينية في أوروبا: أي واقع وأي مستقبل؟" لاحظ فيها أن القارة الأوروبية متجانسة جغرافياً، لكن الواقع الديني معقد وهذا ما يجعل رصد الحالة الدينية في أوروبا صعباً. فالأوروبي لا يعبر بسهولة عن حقيقة مشاعره الدينية وهو يعيش في مجتمع علماني تعتبر فيه المسألة الدينية من أعمق الخصوصيات الفردية. وتحدث المحاضر عن غياب رؤية محددة للموقف من الدين والإيمان، بالإضافة إلى فقدان الثقة في التصورات التي تقدمها الكنائس. ومما يزيد الموقف تعقيدا اختلاف الباحثين وعدم دقتهم في تحديد مفاهيم جوهرية للدين والإيمان والظاهرة الدينية وحتى للعلمانية والحداثة. وتحدث الأستاذ حسام شاكر عن تباين مواقف الدول الأوروبية تجاه الدين، ففرنسا تقوم على العلمانية الصارمة بموجب قانون 1905 الذي أقر بفصل الدين عن الدولة بالكامل. أما في الدانمارك، فإن الكنيسة اللوثرية تحتفظ بنفوذ واسع النطاق في الحياة الدانمركية. وفي هولندا، أقرت الدولة في عام 1982 فصلاً مشدداً بين الدين والدولة بما يقيد حصول المجموعات الدينية على مساعدات رسمية بقيامها بنشاطات اجتماعية فحسب، وهذا ما يسري أيضاً على المسلمين، أما في بلجيكا، فإن الدستور كفل الحرية الدينية إلى جانب فصل الدين عن الدولة، ولكن هذه العلمانية قاصرة النطاق، حيث تنفق الدولة على الشؤون الدينية وتعطي امتيازات للإدارة التي ترعى المجموعات الدينية. ويرى الأستاذ شاكر أن الكنيسة ستسعى مستقبلاً إلى تعزيز حضورها في المجتمع وفي الحياة العامة من خلال استثمار ثغرات المجتمع "العلماني الحداثي المادي" وتواصل بذل جهودها في إطار تبني هموم الشرائح المستضعفة. وأن طبيعة أداء الكنيسة ومواقفها ستخضع في المرحلة المقبلة لجملة من المحددات وعلى رأسها توجهات من سيخلف البابا بولس يوحنا الثاني على كرسي البابوية.
وأخيراً تناول الكلمة الدكتور عبد الحليم هربير الذي تحدث عن "الهوية المسيحية للأوروبيين". تساءل أولا هل جذور الهوية الغربية تعود للمسيحية؟ وهل مشروع الوحدة الأوروبية مشروع مسيحي؟ وتحدث عن مشكلتين أساسيتين تمس الظاهرة الدينية في أوروبا وهما ترجمة المصطلحات الدينية من لغة إلى أخرى والإحصاءات وسبر الآراء التي لا تعبر دائماً عن حقيقة التدين. ثم أشار إلى التعددية الدينية في أوروبا وركز على فرنسا التي يدين 70% من سكانها بالكاثوليكية وفيها أكبر الأقليات الدينية كالبروتستانت والمسلمون واليهود والبوذيون والماسونيون ومعظمها تتمتع بنفوذ في المجتمع الفرنسي. والمسلمون عليهم أن يربطوا صلاتهم بمختلف هذه الشرائح ولا يكتفون فقط بالمسيحيين الذين يمثلون الأغلبية من حيث العدد ولكن لا يعني أنهم وحدهم أصحاب القرار والتأثير. وتكلم أيضاً عن الحضور الديني المتمثل في الدفن وفق المراسيم الدينية والزواج في الكنيسة وتعميد الأبناء وبناء كنائس جدد وترميم الكنائس القديمة والإنتاج الثقافي الديني وفتح معاهد وجامعات كاثوليكية لتكوين أطر دينية، وتعبير السياسيين الصريح عن التزامهم الديني. وحول السؤال الذي طرحه الدكتور هربير في بداية المحاضرة، يجيب عنه بأن من الصعب القول إن هوية مستقبل أوروبا مسيحية لتعددية المسيحية نفسها وتزايد انتشار الديانات الأخرى والعلمانية داخل المجتمع الغربي، فالمستقبل هو للتنوع والتعددية والمسلمون يمكن لهم أن يقدموا الكثير في هذا الشأن.
صورة التدين في المجتمع الأوروبي
وتحت عنوان "صورة التدين في المجتمع الأوروبي"، دارت نقاشات الجلسة الثالثة التي ترأسها الدكتور جمال البرزنجي، وتضمنت ثلاث ورقات. تحدث الأستاذ ضو مسكين عن "ظاهرة التدين المسيحي بين العقيدة والتقليد". فأشار إلى انفتاح الكنيسة أكثر من ذي قبل، إذ أدخلت الموسيقى لجذب المصلين وسمحت للمسيحيات بالزواج من المسلمين وفتحت مدارسها لغير المسيحيين، ورضيت بالعلمانية وبقيت صامتة أمام مجموعة من التصرفات والظواهر التي تتناقض مع القيم المسيحية. وحاولت أيضاً التقارب مع الديانات الأخرى لفهمها أكثر وخاصة من الإسلام، فكثفت الندوات حول الإسلام لفائدة الرهبان داخل الكنيسة. وقد ذكر المحاضر أنه وصلته رسالة من راهب كبير اعترف له أنه يقرأ كثيراً القرآن الكريم. وهناك حصص إذاعية وصحف تتحدث بأمانة عن الإسلام والمسلمين وتدافع عن قضاياهم. وتحدث أيضاً عن عودة التدين في أوروبا كنجاح المهرجان السنوي العالمي للشباب والتغطية الإعلامية الضخمة لسفر البابا يوحنا الثاني عبر العالم. والمشكلة بالنسبة للمسلمين ليست في موقف الكنيسة ولكن في موقف وسائل الإعلام، ودعا للحوار الديني الحقيقي والتعاون على القواسم المشتركة.
وألقت الدكتورة آن صوفي الأمين ورقة بعنوان "علاقة الأوروبيين بالديانة المسيحية"، فقدمت نتائج عن دراسة ميدانية لها عن التدين عند الشباب المسيحي عن طريق متابعة مشاركاتهم في المهرجانات الشبابية الدينية، التي تمثل لهم تجربة شخصية أكثر منها ممارسة دينية. وتراجعت الممارسة الدينية عند الشباب رغم هذه الحيوية لأن هناك عدة طرق للتعبير عن الإيمان والتدين، من بينها: الإحساس بالانتماء للجالية والثقافة الدينية كالاهتمام بالتراث والآثار والمشاعر الحسية والمثل المتعلقة بالدين. وأكدت الدكتورة آن صوفي على تحول في طريقة الاعتقاد نحو اعتبار التدين عملية فردية وظهور مساحة للشك والاهتمام أكثر بالحياة وقبول التعددية والتنوع.
وتحدث أخيراً الدكتور محمد الغمقي عن "الإعلام والتدين في أوروبا". تساءل عن مدى مساهمة وسائل الإعلام في صنع صورة حقيقية أو مشوهة للدين والتدين في الغرب؟ اختصر الدكتور الغمقي بحثه على دراسة الصحافة المكتوبة وقسمها إلى صحافة دينية وهي الجرائد التي تهتم بالدرجة الأولى بالدين وهي تصدر في غالب الأحيان عن المؤسسات المسيحية، والصحافة غير المختصة والتي تهتم من حين لآخر بالمواضيع الدينية. وقام الباحث بمسح بعض شبكات الإنترنت خاصة الموقع الذي يشرف عليه المفكر بانيكار وهو حريص كثيراً على الجانب الديني وعلى تمسك الأوروبيين بدينهم وانتمائهم للمسيحية. والحقيقة أن الصحافة ومواقع الإنترنت تعبر عن وجهة نظر أصاحبها فقط، وهي تختلف في توجهاتها بين الحياد والإنصاف وعدم الموضوعية وليس كل الإعلام الغربي ضد الدين كما هو مشاع.
التدين وتحديات الحداثة
تناولت الجلسة الرابعة، التي استهلت يوم الجمعة صباحا وترأس أعمالها الدكتور محمد المستيري، محور "التدين وتحديات الحداثة". وتمت فيها مناقشة ثلاث ورقات بحثية. تحدث أولاً المفكر الفلسطيني الأستاذ منير شفيق عن "التدين والعلمانية". وأكد في البداية على أن علاقة العلمانية والدين هي مسألة معرفية تحتاج إلى تدقيق وقد قدمت على أساس أنها أحد الشروط التي قامت عليها الحضارة الغربية. وهذه التجربة يراد تعميمها على العالم كله عن طريق الدعاية الغربية والعلمانيين العرب. والحقيقة أن هناك فرق بين مفهوم العلمانية عند الفرنسيين والأنجلوساكسون. فلاحظ تزاوج الدين والسلطة السياسية في تجارب بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عبر التاريخ، وأشار إلى أن الصراع في أوروبا كان بين كنيسة وكنيسة وليس بين الدين والدولة. وذكر بأن الغرب لم يقص الدين عن الحياة، والتجربة الغربية في المساواة التاريخية بين الدين والعلمانية لم تكن هزيمة كاملة للدين ولا نصر كامل للعلمانية، والغرب يظهر أنه لا يبالي بالدين ولكن في الحقيقة المسيحية بقيت عميقة ومتجذرة أو كما عبر"تحت الجلد"، فهناك انتماء والتزام ربما لا يظهر على السطح. وتطرق المحاضر للمساومة بين الحكماء وعلماء الدين عبر التاريخ الإسلامي ولم تكن هناك قطيعة بينهم، وفي فترات تاريخية معينة وقعت محاولات إقصاء الدين عن الدولة فقط بينما بقي المجتمع مرتبطاً دائماً بالأحكام الإسلامية. واعتبر الأستاذ منير شفيق الإسلام دين أمة أكثر من كونه إسلام دولة. ودعا إلى رفع يد الدولة عن الدين في العالم الإسلامي.
تحدث بعده الدكتور رضا الشايبي عن: "الخلفية الفلسفية التاريخية للموقف الأوروبي من الدين". فذكر في البداية أن موقف الإنسان الأوروبي من الدين بقي عائماً لأنه ليس عدائياً واضحاً ولا هو من الإيمان العامل، وهو ما يمكن أن نعبر عنه بالضبابية. وقام بعرض مختلف المدارس الفلسفية التي تناولت بالدراسة الدين وتفسير وظيفته وتحديد علاقته بالحياة. ويعتبر سان أوغسطين أول من قام بقراءة في عقلنة المسيحية بعد أن كانت تقتصر على التعاليم. كانت هذه الفلسفة مطبوعة بتشاؤم عميق حيث اعتبر معنى الحياة صراع دائم بين الخير والشر أو وفاء الإنسان لمدينة الله والعزوف عن المدينة الأرضية وقيمها المادية، والسعادة لا يمكن أن تحقق في الأرض وأن أحسن اللحظات لا تكون إلا بعد الموت. واعتبار شخص البابا رأس المثل والرجل الذي يملك الحكمة والسلطة المطلقة، نتج عنه استحواذ الكنيسة على الدين والمال والسلطة والعلم، ومراقبة العلماء، ومحاكمة كل من يرفض منطقها وتصورها للحياة والدين. وتحدث المحاضر عن الاتجاه الإبقوري الديموقريطي وهو مذهب يمجد العالم الأرضي ويعتبر أن العالم المادي هو الحقيقة الأولى، وقد بدأت هذه الفلسفة مع كانط الذي حمل شعار "تجرأ لاستعمال عقلك". وهو لا يؤكد ولا ينفي الحقائق العلوية. والمناهضة العنيفة والهجوم على الدين جاء من فلاسفة الأنوار في القرنين 18 و19 مثل فولتير وديدرو ثم سبينوزا وكارل ماركس الذين اعتبروا المسيحية اختراع السياسيين للسيطرة على الشعوب وأن الأشياء لا تحكمها القدرة الإلهية ولكن القوانين الطبيعية. ووقف المحاضر في الأخير عند الاتجاه العدمي الذي كتب عنه كل من نيتشيه وفرويد وسارتر وكامي. وهذه الفلسفة محاولة أخرى للقضاء على الفكر الكنسي وتمجيد الإنسان وإظهاره قوة فعالة واعتبار العلم بديل عن الدين ومصدر للسعادة البشرية.
لمتابعة الموضوع الشيق
منقول
http://eiiit.org/article_read.asp?a...ID=264&adad=278